الفصل الأول
برّ الوالدين بعد الزواج
تمهيد :
إن البيت غير المتوازن هو الذي يُنتج شباباً ضائعاً، والزوجة غير الصالحة هي التي تجبر زوجها على الخروج من بيته والذهاب إلى هنا وهناك، والمرأة التي تلبي رغبات نفسها، وتهمل زوجها وأطفالها، هي التي تُخرّج للمجتمع أطفالاً مشردين، ومن ثم رجالاً شاذين تائهين حائرين، وبعد ذلك إذا ما تزوجوا فلن يَسعدوا ولن يُسعدوا غيرهم.
فالأخلاق يرضعها المرء من ثدي أمه قبل كل شيء، والأم هي مصنع الرجال، ومدرستهم التي ينهلون منها التعاليم الفاضلة، والأخلاق الحميدة.
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق.
وقد لا يجد الإنسان صعوبة في أن يبرَّ والديه وهو أعزب، ذلك لأنه غالباً ما يكون بحاجة إليهما، ولا يوجد من ينازع والديه على قلبه، ولكن بعد الزواج ما الذي يحدث ؟!
الوالدة تقول: كبر ابني وأصبح شاباً، وها قد زوجناه، بمعنى: أننا قدمنا له كل شيء، فمن واجبه أن يردّ لنا جزءً من هذا الجميل، بأن يكون هو وزوجته في خدمتنا.
بينما تقول الزوجة: لقد تركت بيتي وصديقاتي، وأمي وأخواتي، حتى يصبح لي عش مستقل، فمن واجب الزوج أن يبادلني هذه التضحيات بمثلها، فيترك الجميع ويكون لي وحدي ليعوضني عما تركته من أجله.
وما بين تصور الوالدة وتصور الزوجة، يقع هذا الشاب في حيرة من أمره، فإن هو مال إلى والدته، وقع في خلاف مع شريكة حياته، وإن مال إلى زوجته وقع في غضب والدته، ووقع في الداهية الكبرى، ألا وهي عقوق الوالدين.
عشر نصائح
وفي هذا الفصل نحاول أن نقدم عشر نصائح في هذا المجال، لعلها إذا فُهمت وطبقت أن تكون كافية لوضع الأمور في موضعها الصحيح.
أولاً:اختيار الزوجة الصالحة ([1]):
فالزوجة العاقلة المدبرة المفكرة تعلم بأنها إن كانت اليوم زوجة الابن(الكنّة)، فغداً ستكون أم الزوج( العمّة)، وسيصبح لها أبناء سيكبرون ويتزوجون، فيجب عليها أن تعامل ( والدة زوجها ) كما تحب أن تعاملها في المستقبل ( زوجة ابنها ) وكما تدين تدان:
قَالَ r “لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ “([2]) أمّا الزوجة الرعناء أو الهوجاء، فهي التي لا تحترم عمتها في صباها، بينما تريد كنات بررة في شيخوختها، فأين هي من قوله تعالى:
) هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)60الرحمن.
إن الزوجة العاقلة هي التي تجعل البيت المحترق، برداً وسلاماً على الزوج، أمّا الزوجة الحمقاء فهي التي تفتعل الأحداث، وتضخمها، لكي تجعل الزوج يحترق لأتفه الأسباب، ولا تبالي باحتراقه. بل إن بعض الزوجات المشؤومات يستمتعن باحتراق أزواجهن، وصدق رسول الله r حينما قال:
” يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ ([3]).
إن الزوج يأتي من عناء العمل مكدوداً منكوداً إلى البيت ليسكن إلى زوجته فيه، قال تعالى: ) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً(21الروم
أما أن ينتقل الزوج من تعب العمل إلى تعب المنزل، وفي اليوم التالي مثل ذلك، وهكذا، طلبات كثيرة، وتحقيقات واسعة، واتهامات خطيرة، وظنّ، وشك…الخ، فهل سيكون هذا الزوج سعيداً بهذا الزواج..؟ بالطبع: لا، والنتيجة:
انحراف في السلوك، وتقصير في الواجبات، وإهمال في العمل، و كذلك في واجباته الدينية، وكل هذا بسبب زوجته التي اختارها ليبني معها عشاً جميلاً، وإذا به يقع في بيت عنكبوت !
)وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ( 6 العنكبوت
إذ أن أنثى العنكبوت من طبيعتها –كما ُيقال- أنها تهجم على الذكر بعد التلقيح مباشرة فتأكله بعد أن تكون قواه قد أُنهكت بهذا اللقاء المشؤوم.
إن معظم المنحرفين يقعون في الانحراف بعد الزواج، وبعد أن يفشل في بناء بيت الأحلام المنتظر، فتراه يداريها، يدللها، يضغط على أعصابه ليرضيها، يتوسل إليها، يترك أهله لأجلها، يستعطف والدتها، يحترم أباها، يتقرب لأخوتها، ولا يخالف لها أمراً، وهي كالنار لا تزال تطلب منه المزيد.
وقد ورد في الحديث الشريف أن بعض الناس يدخل النار مع فرعون وهامان ولم يكن يملك إلاّ أهله ” ذلك لأن نفسيته نفسية فرعون وهامان.
كما ضرب لنا القرآن الكريم قصة رسولين من رسل الله عليهم السلام لم تنجح بين الناس دعوتهم؛ بسبب خيانة زوجتيهما-والله أعلم- في مجال الدعوة، إذ كانتا تدعيان الإيمان في الظاهر، وأمام زوجيهما، فإذا خرجتا من البيت، تسخران وتتهكمان على الرسالة، والدعوة، والنبي، وتتندران فكان الكذب في هذا المجال خيانة ما بعده خيانة قال تعالى:
) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنْ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ( 10 التحريم،
وهذا هو المقصود بالخيانة وليس شيئاً آخر، فما كان من الناس إلاّ انصرفوا عن اتّباع هذين النبيين الطاهرين الجليلين، فما آمن مع نوح عليه السلام إلاّ قلة قليلة بعد (950) عاماً من الدعوة، وما آمن مع لوط إلا أولاده الذين كانوا متأكدين من صدق دعوته.
وهذا درس عظيم للدعاة يجب أن يفهموه ويدركوا معناه، ذلك لأن الداعية يتمسك بدينه، لكنه إن وقع في الحب أو الإعجاب بفتاة، سعى للزواج منها بسرعة دون أن يستشير أو يستخير ولكن النبي r قال:
” ما خاب من استخار ولا ندم من استشار” (رواه الطبراني في الأوسط.راجع إن شئت كتابي خمس حقائق إيمانية / فصل تفسير الأحلام،والأصح أن يقال: تعبير الرؤيا..الخ)
فاختيار الزوجة الصالحة أمر مهم يجب دراسته بشكل جيد، والاستخارة فيه كما أمرنا بذلك r إذ روى البخاري بسنده عَنْ جَابِرِ بْنِ عبد الله رَضِي اللَّه عَنْهمَا قَالَ: “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ يَقُولُ إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلِ:
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ، فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِيَ الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ أَرْضِنِي قَالَ وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ “( رواه البخاري في كتاب الجمعة برقم(1166).
ومن هنا نعرف سر اختيار النبي r للسيدة خديجة، وتوفيق الله له بزواجه منها، فكانت سنده الأول في الصبر على الدعوة إلى الله تعالى واحتمال الأذى(راجع إن شئت كتابي: خمس مقالات حول المرأة)
([1])الصلاح أنواع، فالصلاة صلاح لا بد منه، كما أن اللباس “المستور” صلاح لا بد منه، ولكن من المهم أيضاً أن الخاطب إذا دخل إلى بيت أصهاره وشاهد عندهم عجوزاً محترماً مُعتنى به، أمامه كأس ماء وتحته فراش نظيف وبجانبه وسادة جيدة، فإنه بذلك سيعرف أن هذا هو مستقبل أمه وأبيه… وإن شاهد -لا سمح الله- عجوزاً كلما تكلم قيل له اسكت يا عجوز، فليعلم الخاطب أن هذا هو مستقبل أمه وأبيه، بل ومستقبله هو، إن كان له عمر يوصله إلى تلك المرحلة، وما أظن أنه سيصل إليها !!
([2])رواه البخاري في كتاب الإيمان برقم (13).
([3])رواه البخاري في كتاب الحيض برقم(304 ).
الشيخ زكريا القضاة الموقع الشخصي للشيخ زكريا القضاة
