الرئيسية / مختارات / مولد الهادي محمد

مولد الهادي محمد

الإسلام في سطور

بركة الدار في سيرة المختار

]مولد الهادي[

تأليف سماحة الشيخ الدكتور نوح علي سلمان القضاة

]مجمل سيرته صلى الله عليه وسلّم[

        ولد صلى الله عليه وسلم عام الفيل من أكرم القبائل العربية، ونشأ فيها يتيماً ترعاه عين الله التي لا تنام، وكان منذ صغره عالي الهمة، سمح السجية، متفكراً في حال مجتمعه التائه في دياجير الظلام، ولما بلغ الأربعين نزل عليه الوحي بالرسالة الربانية، فصدع بأمر ربه، ودعا الناس إلى دين الإسلام فقبل دعوته أهل العقول الراجحة الذكية، وقاومه وآذاه أهل الشر، سفهاء الأحلام، ولما يئس من هدايتهم بالحجج المنطقية، والمعجزات الجلية، هاجر إلى المدينة والتف حوله الصحابة الكرام، فوطد دعائم المجتمع الجديد بالأخوة الإسلامية، وأخذ يحارب أهل الجهل والظلم، عباد الأصنام، فنصره الله عليهم، في عدة معارك حربية، ودخل مكة فاتحاً مظفر الرايات والأعلام، ثم انتشر نور الهداية حتى عم الجزيرة العربية، وانهزمت إلى الأبد جحافل الظلم والظلام، فيا من نصر محمداً عليه الصلاة والسلام حتى عاد إلى الديار المكية، ردنا إلى الأقصى فاتحين في أقرب الأيام، ولما بلغ من العمر ثلاثة وستين عاماً قمرية وافاه الأجل الذي كتبه الله على كل الأنام، فالتحق بالرفيق الأعلى، في الحضيرة القدسية، عليه منا وعلى آله أنك الصلاة وأزكى السلام، اللهم صل وسلم وبارك عليه.

]أخلاقه صلى الله عليه وسلّم[

         لقب عليه الصلاة والسلام بالصادق الأمين، والناس ما زالوا في الجاهلية، وعرف برجاحة العقل، وكرم الخلق، وحسن الجوار، وكان رحيماً بأصحابه، عادلاً بين الرعية، شديداً على المنافقين والكفار، حليماً متسامحاً في حقوقه الشخصية، شديد الغضب إذا انتهكت حرمات الواحد القهار، كان يُكرِّم الإنسان بمقدار نفعه للأمة الإسلامية، دون أن يلتفت إلى حسب أو نسب أو مال أو عقار، وكان صبوراً إذا حلت به المصائب الدنيوية، يكرّم ضيفه ويعطي المحتاج بلا منّ ولا أذية، ويؤثر الرعية على نفسه، ويشد على بطنه الأحجار، يكره التكبر والمدح الكاذب، والفوضى والإتكالية، ويوقر كبار أصحابه ويرحم الصغار، يلاطف أهله ويساعدهم في الحاجات البيتية وما وجه إلى امرأة أو خادم كلمة احتقار، ومع ذلك رباهم على الأخلاق القرآنية، لأن قوة الشخصية والقدوة الحسنة تغنيان عن الانتهار، وكان بشوشاً يبدأ من يلقاه بالسلام تحية، وجعل السلام شعاراً لنا وأكرم به من شعار، صلوات الله وسلامه على من قال: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).

        صلوات الله وسلامه على من قال:(لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).

        صلوات الله وسلامه على من قال: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده).

اللهم صل وسلم وبارك عليه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

]عبادته صلى الله عليه وسلّم[

         وكان صلى الله عليه وسلم مع ما أعطي من المراتب العليا كثير العبادة والتهجد، شديد الخوف من الله، يطيل القراءة والسجود في صلاته الليلية، وما زال كذلك حتى تورمت قدماه، فوا حسرتاه على من يطلب الجنان والقصور العليّة ولم يؤد ما افترضه عليه مولاه، أمر بالنظافة والتداوي والوقاية الصحية، وحذّر من الوباء الخلقي وعدواه، ولا تسل عن شجاعته وخبرته في الشؤون الحربية، فقد كان يثبت في الوغى فتلوذ به الكماة، وكيف يفر من يرجو السعادة الأخروية، أو كيف يفر من يطلب الشهادة في سبيل الله، حارب تفرق الكلمة والنعرات العصبية، وأمر بطاعة القائد فيما لا يسخط الله، نهى عن المزاح والثرثرة بالأخبار العسكرية، وحارب الإشاعات التي توهن الجيش، وتضعف قواه، أوصى بالتدريب المستمر على الفنون الحربية، وعد نسيانها ذنباً يعاقب من أتاه، وصرح بأن التعاون مع العدو مخرج من الملة الإسلامية، لأن المرء يحشر مع من أحبه ووالاه، صلوات الله وسلامه على من قال: (عينان لا تمسهما النار، عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله).

        صلوات الله وسلامه على من قال: (رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها).

        صلوات الله وسلامه على من قال: (من علم الرمي ثم تركه فليس منا، أو فقد عصا).

        صلوات الله وسلامه على من قال: (من سأل الله تعالى الشهادة بصدق بلّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه).

اللهم صل وسلم وبارك عليه

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

]ما حققه صلى الله عليه وسلّم[

         استطاع صلى الله عليه وسلم بتأييد من الله أن يقضي على الوثنية، فحرر العقول بذلك من الأوهام والخرافات، ووجه العقل إلى البحث في الكون بدلاً من عبادة الظواهر الطبيعية، فكانت الخطوة الأولى عن طريق العلم والاكتشافات، وجمع العرب الذين أنهكتهم الحروب الداخلية، فجعلهم ملوك العالم بعد الفرقة والشتات، قضى على الظلم والاستبداد في شؤون الرعية، وجعل الحكم شورياً فيما لم تنزل به الآيات، أزال النظم الطبقية والتفرقة العنصرية، وجعل سبيل المفاضلة خدمة المجتمع وعمل الصالحات، لم يدع المال في يد طائفة تحرم منه البقية، ففي المال، حق معلوم للفقراء وذوي الحاجات، ولم يطلق العنان لأصحاب المال كما فعلت الرأسمالية، ولا كبت غريزة حب التملك كما أرادت الشيوعية وهيهات.

        قضى على الجريمة باقتلاع مسبباتها الاجتماعية، وعاقب العابثين بالأمن، المعتدين على الحرمات، عرف كل واحد ماله وما عليه من أمور دينية ودنيوية، وأن الله مراقبه، فحسنت الأعمال والنيات، حرّم الغش والاحتكار والقمار والمعاملات الربوية، وسن نظاماً يغني عن الربا ويغيث أهل الفاقات، أنقذ المرأة من الظلم وجعلها مسؤولة عن المملكة البيتية، وكلفها بأخطر مهمة في تربية البنين والبنات، وجعلها متفرغة لهذه المهمة التربوية، والرجل مكلف بالإشراف العام والنفقات.

        حرم الاختلاط والتبرج والخلوة بالأجنبية، ليصون الشرف والسمعة ويقضي على الشائعات، قطع الإسلام دابر الرشوة والتواكل والمحسوبية، ولَعَن الراشي والمرتشي، ومن يجري بينهما المفاوضات، صلوات الله وسلامه على من قال: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) صلوات الله وسلامه على من قال: (ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية) صلوات الله وسلامه على من قال: (ما تركت بعدي فتنة أَضر على الرجال من النساء).

اللهم صل وسلم وبارك عليه

ـــــــــــــــ

]الختام[

         هذا ما يتسع له المقام من السيرة والتعاليم المحمدية، وهي قليل من كثير مما أفاض عليه مولاه، ويتضح منها ما له من فضل علينا وعلى الإنسانية، وحسبنا الله من ذلك أَنه قد دلنا على الله، فطوبى لمن عرف ربه معرفة حقيقية، فأطاعه سراً وجهراً وخافه ورجاه. ومن الاعتراف بفضله وحقوقه الجلية، الاحتفال بمولده والتمسك بهداه، وتوقير أهل بيته وعترته الطاهرة الزكية، وإجلال ورثة الأنبياء الداعين إلى الله، فقد أوصى بهم خيراً وأكرم بها من وصية، وكيف يرد على الحوض من أذاهم فأذاه، ولما أراد الله أن يظهر للوجود ثمرة الكون من أكمامها الغيبية، وأن تسطع فيه شمس لا إله إلا الله محمد رسول الله، وقد تم لآمنة من حملها تسعة أشهر قمرية، ولدت خاتم الأنبياء محمداً صلوات الله عليه.

اللهم صل وسلم وبارك عليه

أنتهى مولد النبي صلى الله عليه وسلم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اضغط هنا PDF

عن qudah

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

إحصائيات طلاق وأسباب الطلاق

هل ...

%d مدونون معجبون بهذه: