الرئيسية / المكتبة / من الفكر والقلب / القضاء والقدر / القضاء والقدر الزنديق يناقش العالم عند هارون الرشيد

القضاء والقدر الزنديق يناقش العالم عند هارون الرشيد

المشاركة:لإنسان يجب أن ينظر إلى المال والجاه لا على أنهما خير من عند الله، بل هما مسؤولية أمام الله تعالى إن أدى حقهما فبها ونعمت، وإلا فكما قال: r(( إِنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الْإِمَارَةِ وَسَتَكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَنِعْمَ الْمُرْضِعَةُ وَبِئْسَتِ الْفَاطِمَة)). ( البخاري7148) .

ويقال: إن وزيراً وظف صديقين له، أحدهما مساعداً له، والآخر مراسلاً يشتري له كل يوم رغيفاً من الساندويتش بعشرة قروش، وكان الثاني عاتباً على الوزير لأنه وضعه بهذه الوظيفة، ووضع الآخر بوظيفة رفيعة، وبعد شهر أوقفهما الوزير للمساءلة والحساب.

 وكان مكان المحاسبة بلاط تحته نار، فوقف المساعد فترة طويلة يرفع رجلاً ويخفض الأخرى، وعندما جاء دور الآخر وشعر بالحرارة قال: أيها الوزير: عشرة قروش بثلاثين يوماً = ثلاثة دنانير، وها هو الباقي، والحمد لله أني لم أكلف بأكثر من ذلك، وشكر الوزير بقلبه؛ لأنه لم يكلفه بوظيفة أكبر وشكراً.

شكراً لك يا أخي، يقول الله تعالى: )فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ* وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي اهانن%كَلَّا  (15الفجر) فالجواب كلا؛ لذلك فإن كل نعمة في الدنيا سيحاسب المرء عليها يوم القيامة:)ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ)التكاثر)

 فصاحب العين الواحدة لا يسأل عن الأخرى، والأعمى لا يحاسب على نعمة البصر، والفقير لا يحاسب على الغنى، أما الكافر فإنه سيتمنى لو كان في الدنيا حماراً، وذلك حينما يرى أن الله تعالى يقول للحيوانات بعد أن تتقاضى من بعضها بعضاً: كوني تراباً.

)إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُيَالَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا[ آخر سورة النبأ ) و  ذلك حينما يوقن أنه سيحاسب على نعمة العقل الذي لم يستعمله في الدنيا كما يجب.

المشاركة(2): دخل زنديق على هارون الرشيد، وكان يجلس عنده أحد العلماء في حديقة قصره، فطلب الزنديق من الخليفة أن يناقش الشيخ بحضور الخليفة، فأذن له.

 فقال:الزنديق: أيها الشيخ: إذا كان الله موجوداً فلماذا لا نراه؟

الشيخ: هذا سؤال لا يحتاج إلى جواب كامل، فهل عندك سؤال آخر؟

الزنديق: إذا كان الله قد كتب علينا أشياء فلماذا يحاسبنا عليها؟

الشيخ: وهذا أيضاً لا يحتاج إلى جواب كامل، فهل لديك سؤال آخر؟

الزنديق: إذا كان إبليس مخلوق من النار فكيف سيعذبه الله بالنار؟

فتناول الشيخ شيئاً من طين الحديقة، وضرب به وجه الزنديق، فصاح متألماً، وقال لقد آلمتني، فقال له الشيخ: أين الألم إني لا أراه؟

 فقال: ألم تر إلى وجهي كيف أثّر به مكان الضربة، كما أني صرخت وتألمت، فقال الشيخ: وكذلك الله تبارك وتعالى لا يُرى، ولكن هذا الكون البديع المنظم أكبر دليل على وجوده.

فقال الزنديق: ولماذا لم تفهمني ذلك الكلام بأسلوب رقيق؟

فقال الشيخ: لأن الله كتب علي أن أعلمك بهذا الأسلوب القاسي. فلا تؤاخذني! ثم أضاف الشيخ قائلاً: عجباً لك، فأنت مخلوق من الطين فكيف تتألم من الطين؟ وهذا جواب لأسئلتك جميعها، وشكراً.

أشكرك يا أخي على هذه القصة الجميلة، وإن أعداء الإسلام يأخذون هذه الأسئلة من كتبنا ويطرحونها علينا؛ لأنهم يعتقدون بأن شباب اليوم لا يطالعون الكتب، والأمر الآخر: أن الشيخ لو صفعه بيده لقال له: مخلوق من لحم وعظم كيف يتأذى باللحم والعظم؟.

وانظر إلى سرعة البديهة عند هذا الشيخ، كيف تنبأ بالأسئلة التي يريد أن يطرحها الزنديق، فحضر له الإجابات بشكل تطبيقي، ونحن الآن نكتفي بسرد القصص فقط دون ضرب.

المشاركة(3): يُقال: سأل سيدنا إبراهيم عليه السلام ربه قائلاً: يا رب لماذا لابد من عذاب الكافرين بالنار؟

قال: يا إبراهيم ازرع القمح، وبعدما انتهى العام، قال: يا رب، القمح الجيد وضعته في الأعلى، ووضعت القمح الرديء في الأسفل علفاً للدجاج، وأما التبن الناعم، فجعلته علفاً للدواب، أما التبن الخشن فجعلته لبناء الحيطان، و أما التبن القاسي جداً فوضعته في الفرن(التنور).

فقال الله تعالى: يا إبراهيم، وكذلك أنا لا أضع في النار إلا من يستحقها، وشكراً.

شكراً يا أخي  الكريم، ولكن أريد أن أنبه بأن هذه الحكايات، ربما لا تكون نسبتها إلى الأنبياء صحيحة، ولكنها تسرد على سبيل الاستعانة والتفهيم، والمعنى صحيح، فالله سبحانه وتعالى لن يدخل جهنم إلا من يستحقها .  )وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ(46فصلت)

 وQ I )وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ( (القصص:69) فلو أخرجهم مولاهم من النار لقالوا لو عدنا إلى الكفر والفسق فسيعود علينا بالمغفرة، فلا بأس أن نعصي من جديد وصدق الله العظيم .) بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) (الأنعام:28)

 المشاركة (4): إن المقتول لا يموت بإطلاق الرصاص عليه، ولكن لأن عمره انتهى، إلا أننا نقوم بمعاقبة الجاني، لأنه أراد الضرر بالقتيل، وأراد قتله.

فلو أن رجلاً قال لابنه لا تنفخ على المصباح؛ لأنه ليس عندنا غيره، وإخوانك يريدون الدراسة، وبعد أن خرج الوالد صار الولد ينفخ على المصباح دون أن يكترث لما قاله والده، فغضب الوالد وقام بإطفاء المصباح، بقطع الكهرباء عنه من مكان لا يراه الولد؛ فالفاعل الحقيقي هو الوالد، ولكنه سيقوم بضرب الولد لأنه لم يمتثل لأمره؛ لأنه كان يريد مخالفة أبيه، والإضرار بأخوته الآخرين، فاستحق العقاب. وشكراً.

شكراً لك: و هذا إيضاح جيد يتمشى مع قوله تعالى:)وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ( 6العنكبوت  وقوله أيضاً في الحديث القدسي:” يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي” مسلم/البر2577.

السؤال الأول: ماذا نفعل بحديث:” فيسبق عليه الكتاب؟ الجواب: إن الأمة لولا هذا الحديث، وما في معناه من التوجيهات لكانت هلكى؛ لأن الأمة مقسومة إلى قسمين:

 القسم الأول: يظن أنه محسن، وبذلك يبدأ يتفاخر، أنا أصلي، وأصوم، وأزكي، أنا إلى الجنة، فهذا لا شك سيهلكه الغرور.

القسم الثاني: يظن أنه مقصر، فيبدأ بالخوف الزائد، فيقول أنا عاصي، أنا مذنب، أنا مقصر، أنا إلى جهنم، وهذا سيهلكه القنوط.

فجاء هذا الحديث ليقول: أيها الطائع لا تغتر بعبادتك فإن أمامك عقبة كئود فقل كما قال نبيك r:” يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ “ الترمذي/القدر2140) ، وأنت أيها العاصي لا تقنط من رحمة الله فإن باب التوبة مفتوح فأسرع في الدخول إليه:)قل ياعِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ( الزمر53

فالطائر يجب أن يطير بجناحين متوازيين؛ فلو كان لطائرة جناح واحد طوله عشرين متراً، والآخر عشرة  لما استطاعت الطيران، وأما إن كان لها جناحان متساويان بطول خمسة أمتار فإنها ستطير بسهولة، وهكذا فالإنسان يجب أن يطير بجناحين متوازيين هما الخوف والرجاء، ومع ذلك فإن الحديث يضل على حقيقته، ونحن سنبقى بين الخوف والرجاء، وعلينا بالإلحاح في الدعاء ممن يملك كل شيء فيارب ثبت قلوبنا على دينك، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.

عن qudah

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

4- الموت والتوبة

4- ...

%d مدونون معجبون بهذه: