القضــــاء والقدر
معناه الصحيح، ثماره اليانعة، إزالة الإشكالات
تمهيـــد :
هل الإيمان بالقدر الذي كان مطلوباً من الأعرابي في الصحـــــراء كان معقداً لهذه الدرجة التي يفكر بها بعض الناس اليوم؟! أم أنها مفهوم مختلف عما يجب الإيمان به في القرن الحادي والعشرين؟! وبما أن هذا وذاك غير صحيح فما هو الإيمان بالقضاء والقدر إذاً؟
معنى الإيمان بالقدر.
من المعروف أن الإيمان بالقدر هو من أركان الإيمان الستة، التي وردت في حديث جبريل الطويل حينما سأل النبيr: ” … قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ؟ قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، قَالَ: صَدَقْتَ “(مسلم:8.)
والإيمان بالقضاء والقدر هو فرع من الإيمان بالله عز وجل، فأنت حينما تقول: أشهد أن لا إله إلا الله، فإن من معانيها: ( أن لا خالق إلا الله، ولا رازق إلا الله، ولا محيي ولا مميت إلا الله، ولا يأتِ بالخير إلا الله، ولا يصرف السوء إلا الله، ولا حكم إلا لله) فإذا عرفنا أن المتصرف بالكون هو الله تعالى وحده فإن هذا هو معنى القضاء والقدر.]وَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنْ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا(111الاسراء.
ثمار الإيمان بالقضاء والقدر:
ينتج عن الإيمان بالقضاء والقدر أمور عدة منها:
أولاً: الرضا به: ونتيجة هذا الاعتقاد أن كل ما يصيب الإنسان من خير أو شر، أو نعمة أو ابتلاء هو من عند الله عز وجل، ويجب على العبد أن يقابله بالرضى، وينتج عن هذا الرضى أمران:الشكر أو الصبر،أو كلاهما؛ وهذا هو حال المؤمن، يقول r:
“عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ “مسلم/الزهد:2999،
وهذا هو تفسير قوله تعالى:)قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ( (51التوبة، فلم يقل لنا وعلينا، لأنه كله لنا، فالنعمة نشكرها فتكون لنا خيراً، والمصيبة نصبر عليها فتكون لنا خيراً، أما الكافر والعياذ بالله، فإنه إن أصابته نعماء بطر وتجبر وتكبر، وإن أصابته ضراء قنط وتحسر وكفر وانتحر.
وكان من ثمرة هذا الاعتقاد الصحيح: أن المسلمين الأوائل قد أسلموا قيادهم لله تعالى راضين بقدره، شاكرين لأنعمه )رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنْ الْمُسْلِمِينَ(15 الأحقاف.
كما أنهم كانوا صابرين على البلاء) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ(156البقرة، أي نحن وما نملك، ملك لله تعالى يأخذ ما يشاء، ويترك ما يشاء، فكانت النتيجة )أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ(
وكانوا يعتقدون أنهم كلوح بيد معلم، يكتب عليه ما يريد، وباللون الذي يراه مناسباً، بل إنهم كانوا يرون المصائب نِعَمَاً، فقد روي عن عمرt أنه قال: ما أصبت بمصيبة إلا تذكرت نعمة الله علي بأربعة أمور:
1. أنها كانت في دنياي، ولم تكن في ديني.
2. أنها كانت كذلك ولم تكن أكبر من ذلك.
3. أن الله تعالى يثيبني عليها أجراً-أما الكافر فلا أجر له-.
4. أنها سبب الصلوات والرحمة من الله تعالى.
وحكي أن الحجاج قطع يدي امرأة ورجليها، وألقاها على قارعة الطريق، فكانت دائمة القول: الحمد لله، فقال لها أحدهم: على ماذا تحمدين الله وأنت لا تملكين يداً تذبين بها الذباب عن وجهك؟
فقالت: الحمد لله الذي ترك لي لساناً أذكره به، وأقول: الحمد لله.
وذات مرة زارنا أستاذ فاضل، فسأله والدي-رحمه الله-:
كيف عينيك الآن؟.
فقال:الحمد لله، اليمنى ربع نظر، واليسار سدس.
فقال له: وكيف العملية الجراحية؟ فقال: استأصلوا كلية، والكلية الثانية حالتها متوسطة.
فقال له: وكيف حال الأولاد؟ فقال: بخير، ولد وعشر بنات0
وكنت أنا أسمع كلامه وأتحسر عليه، فالتفت إلي هذا المربي الفاضل وقال: يا زكريا، إن أخذ الله منا شيئاً فقد ترك لنا أشياء، الحمد لله على نعمة الإسلام.
وهنا تذكرت قصة رواها لي بعض العوام، عن شيخه، وهي:
أن أحد الأنبياء سأل ملك الموت عليه السلام: كم ضحكت وكم بكيت؟
فقال: ضحكت مرة عندما دخلت على إسكافي لأقبض روح رجل كان عنده، وكان يقول للإسكافي: اصنع لي حذاءً متيناً يدوم سنتين، فوضع رجله اليمنى للقياس، وفي هذه اللحظة انتهى أجله فقبضت روحه قبل أن يكمل القياس.
وبكيت مرة عندما أمرت أن أقبض روح امرأة كانت على ضفة النهر، وكان معها ولدان تريد أن تقطع بهما النهر فقطعت النهر بالأول، ثم عادت إلى الضفة الأخرى؛ لتأخذ الولد الآخر فانتهى أجلها فقبضت روحها، وأحد ولديها على ضفة النهر اليمنى، والآخر على الضفة اليسرى، فذرفت عيني حزناً على الطفلين، فناداني رب العزة قائلاً:تأدب يا عزرائيل.
وبعد خمسين عاماً ذهبت لأقبض روح ملك المغرب، فلم أرَ رجلاً في مثل عزه، ومهابته، وخدمه وحشمه، فقال لي رب العزة:
أتدري روح من قبضت اليوم؟ قلت: الله أعلم، قال: هذه روح الطفل الذي تركته أمه على الشاطئ الغربي قبل خمسين سنة، وبكيتَ لأجله!
وحُكي أن راهباً كان يتعبد في صومعته قرب نهر، وإذا بفارس يأتي فيشرب من النهر، فتقع منه صرة نقوده لم يشعر بها، فجاء بعده شاب ليشرب فوجد الصرة فأخذها، وبعد قليل عاد الفارس يتفقد الصرة، فوجد عجوزاً عند النهر فسأله عن الصرة فلم يعترف بها، فقام الفارس بقتل هذا العجوز، واحتار الراهب فيما حصل أمامه، ونام مهموماً. وفي الليل رأى رجلاً يقول له:أتحب أن تعرف تفسير ما رأيت؟ قال: نعم، فقال له:
أن الفارس كان قد سرق والد الشاب الذي وجد الصرة، فأعاد الله إليه ماله، وأن العجوز كان قد قتل والد الفارس، فأراد الله عز وجل أن يقتص منه، وهذا هو يوم السداد.
وكذلك بعض ما ورد في سورة الكهف من قصص تعجب لها موسى u، وكان تفسيرها الجميل في نهاية المطاف.
ولهذا كان الرضا بالقدر شأن المسلمين الأوائل، فهذه الخنساء بكت أخاها سنين طويلة، ورثته بديوان كامل من الشعر، ولكنها حين أسلمت، وجاءها خبر استشهاد أولادها الأربعة لم تذرف عليهم دمعة واحدة، بل قالت: الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم.
وكذلك قصة أم سليم التي مات طفلها الوحيد،الذي كان مريضاً، فتزينت لزوجها في تلك الليلة، وعندما عاد من عمله أسرع ليرى الولد، فقالت له: اتركه فلقد نام نومة لم ينم مثلها، ثم بعد أن نال حاجته منها قالت له: إن جارتنا فلانة قد استعارت من جارتها وعاءً، وعندما جاءت صاحبة الوعاء تطلبه منها أنكرته، ولم تعطها إياه، فما رأيك بهذا العمل؟ فقال: بئس ما فعلت، هذا خيانة للأمانة، فقالت له:
فإن الله قد أخذ أمانته التي عندنا، لقد مات ولدنا، فاحتسبه عند الله، فغضب منها وقال: تركتني بعد ما تلطخت بك؟ فذهب يشكوها لرسول اللهr، فأعلمه رسول الله r بحسن ما صنعت ودعا لهما بالبركة، فولدت له تسعة أولاد كلهم يقرؤون القرآن.
وقد روى البخاري رحمه الله القصة في صحيحه ….. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُبَارِكَ لَكُمَا فِي لَيْلَتِكُمَا قَالَ سُفْيَانُ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَرَأَيْتُ لَهُمَا تِسْعَةَ أَوْلادٍ كُلُّهُمْ قَدْ قَرَأَ الْقُرْآنَ”
ثانيا: الاطمئنان.
إذا كان رزقك بيد الله تعالى لا يأكله غيرك، وعمرك بيد الله تعالى لا يزيد ولا ينقص، وملك الموت منفذ لأمر الله، لا يملك من أمره شيئاً، ولا يستطيع أن يعصى الله فيما يأمره به )لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ(، وبهذه العقيدة الواضحة الصريحة يطمئن قلب المؤمن ويهدأ باله )الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ( سورة الرعد آية(28).
روي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍt أنه قَالَ:” كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ r يَوْمًا فَقَالَ: يَا غُلامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ،([1]) قَالَ الترمذي في كتاب صفة القيامة والرقائق والورع برقم(2516: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ”
أقول لها وقد طــارت شعاعـاً : من الأعداء ويلك لن تراعــي
فإنك لو سألت بقــــاء يـــوم: على الأجل الذي لك لن تطاعي
فصبراً في مجال الموت صـبراً : فما نيل الخلــود بمستطــاع
ويحكى أن أحد الفرسان المحاربين كان متخاذلاً، جباناً، وكان عندما يتقابل الجيشان، يذهب إلى كهف فيختبىء فيه، وفي أحد الأيام وبينما كان يجلس في الكهف، وإذا بسهم طائش من المعركة يدخل الكهف ويستقر بين رجليه، وبقي السهم يهتز لفترة طويلة، فسحب السهم من الأرض وإذا به قد استقر برأس أفعى كبيرة، كانت تريد أن تنهشه، لولا عناية الله التي يسرت هذا السهم الطائش ليقتل هذه الأفعى ويخلصه من شرها،
فأيقن أن الإقدام لا يقدم المنايا، وأن التراجع لا يؤخر الموت، فخرج من مخبئه وركب فرسه، وقاتل الأعداء بشجاعة، لم يعهدها منه أصحابه، وانتصر الجيش على الأعداء، وقيل إنه بعد هذه الحادثة، صار يقاتل الأعداء وصدره عارياً، فلم يرتدِ درعاً حتى استشهد.
أي يومــــي أفر: يوم لا يــــقدر أم يوم قدر
يوم لا يقدر لا أرهبــه: ومن المقدور لا ينجو الحذر
وروى لي بعض أصدقائي قصة عن طالب كان يريد السفر إلى أوروبا لإكمال دراسته الجامعية، وقبل السفر بيوم رأت والدته في المنام أن الطائرة سوف تسقط، فقامت بإخفاء جواز سفره، فاستيقظ الطالب قبل موعد السفر بأربع ساعات كي يتمكن من الوصول إلى المطار في الوقت المناسب، فبحث عنه طويلاً فلم يجده، وعندما اقترب موعد إقلاع الطائرة، ويئس من وجود جواز السفر، وأيقن بأن الرحلة هذه قد فاتته، عاد ليكمل نومه.
وكان الوقت لا يزال مبكراً، وأثناء قيام الوالدة بإعداد طعام الفطور للعائلة،وبجانبها الراديو، وتستمع لنشرة الأخبار الصباحية، سمعت نبأ سقوط الطائرة التي كان سيستقلها ولدها، فتركت ما بيدها وذهبت إلى ولدها تبشره بنجاته من الموت، فوجدته قد فارق الحياة، وصدق الله تعالى: .)قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ(154ال عمران، ولذلك فإن الفرار من المعركة لا ينجي من الموت
) أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ(78النساء0
أما بالنسبة للرزق فإن كثرة الإلحاح أو الاستجداء لا تجدي نفعاً، ولا تكثر رزقاً بذاتها، وإنما الأمر كله لله، فليحرص الإنسان على أن يأكل لقمته بعز، ولا يأكلها بذل، مادام أنها لابد سيأكلها، وليجعل طلبه واستجداءه دائماً من الله الذي يملك خزائن السماوات والأرض
) وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (المنافقون
فالله سبحانه وتعالى هو المتصرف بهذا الكون، وينفق كيف يشاء، ومن غير حساب، لا يخشى شيئاً )قُلْ لَوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنفَاقِ وَكَانَ الإِنْسَانُ قَتُورا (100الأسراء.
ثالثاً: الشجاعة:
الشجاعة هي السمة المميزة للمسلمين الأوائل، بل هي سمة لكل من آمن بالله تعالى، وآمن بالقضاء والقدر، لأنه يعلم أن ما أصابه هو من عند الله، وها هو القائد المسلم يقول لزعيم الكفر: والله لقد جئتكم بقوم يحبون الموت، والشهادة في سبيل الله، كما تحبون الحياة، وتحرصون عليها.
وهناك الكثير من الأمثلة في تاريخنا الإسلامي تبين لنا كيف كان الصحابة رضوان الله عليهم يحرصون على الشهادة في سبيل الله، ولا يخافون من الموت أبداً؛ لأنهم أيقنوا بأن أعمارهم محدودة، لا تتقدم ولا تتأخر، كما أنهم سيذهبون إلى ما هو خير مما يتركونه.
فالصحابة الكرام ثبتوا مع رسول الله e في بدر، وأحد والخندق، وغيرها بينما كان المنافقون يتسللون لواذاً: )قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لواذا فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63النور.
وفي معركة اليمامة كان أكثر المجاهدين من قارئي القرآن، وحفاظه، وكانوا أكثر الناس شجاعة وإقداماً.كما أن العلماء الأتقياء كانوا أكثر الناس قولاً للحق، ولا يخافون في الله لومه لائم، ولم يقتل منهم إلا من كتب عليه القتل في الأزل.
رابعاً: الكرم والجود، والبعد عن البخل والتقتير، فحينما يعلم الإنسان أن ما يأتيه لا يمكن أن يزيده كثرة الطلب ولا ينقصه قلة الإلحاح فإنه يصبح جوادا كريما وزاهدا عظيما.
((ما قدر لما ضغيك أن يمضغاه فلا بد أن يمضغاه)) والنتيجة((ويلك كله بعز ولا تأكله بذل))
ولذا فإن الإنفاق في سبيل الله، وفي أمور الخير التي حث عليها الشارع الحكيم، وهو لا ينقص المال لقوله r:” ثَلاثٌ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنْ كُنْتُ لَحَالِفًا عَلَيْهِنَّ لا يَنْقُصُ مَالٌ مِنْ صَدَقَةٍ فَتَصَدَّقُوا، وَلا يَعْفُو عَبْدٌ عَنْ مَظْلَمَةٍ يَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا.
كما أن البخل والتقتير لا يزيد في المال، بل على العكس ربما يفقده البركة، وقد حث الإسلام على الإنفاق في سبيل الله، وفي أمور كثيرة واعداً المنفقين بالخير الكثير في الدنيا والآخرة، كمضاعفة الحسنات، والزيادة في العمر، والبركة في الرزق، يقول جل وعلا: ) وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ( سورة الأنفال:60).
ويقول r:” مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ” (البخاري كتاب الأدب(5985)
وصلة الأرحام عادة تحتاج إلى الإنفاق، وسبق القول بأنهما محدودان، لا يزيدان ولا ينقصان
فهذه بعض ثمار الإيمان بالقضاء والقدر، وهناك ثماراً أخرى تعود على المسلم بالنفع، كترك الحقد والحسد، وترك التكبر والخيلاء، و لزوم القناعة، وحسن المعاملة، وحسن الخلق، وغير ذلك من الأمور المحمودة.
[1] كان المغني البريطاني الشهير يسير في الشارع خائفاً من أن يخرج عليه لص أو قاطع طريق، فيودي بحياته وتنتهي بذلك حياته مع فنه وجماهيره وشهرته. وبينما هو كذلك فإذا به يشاهد عجوزاً على جانب الطريق تجلس أمام بيتها بهدوء واطمئنان لا مثيل له. فأقترب منها وسألها عن سر اطمئنانها رغم أنها على حافة قبرها؛ بينما هو خائف على صحته وصوته وجماهيره وفنه. هنا قالت له هذه العجوز: إنني مسلمة. فسألها عن هذا الدين الذي لم يسمع به من قبل. فأجابته بأنه لا إله إلا الله، بمعنى أنه لا خالق ولا رازق ولا محيي ولا مميت سواه. وأنه لا يأتي بالخير إلا الله ولا يدفع السوء إلا الله. وبذلك فهي راضية عن خالق السماوات والأرض فيما يجريه عليها من أقدار. ودلته على المركز الإسلامي هناك فذهب يزداد إيماناً وفهما لهذا الدين العظيم. وبعد أربعة أيام وإذا بأمه تتصل به من لندن تسأله عن أحواله ، فأجابها أن نقوده وجماهيره بازدياد كما أن صحته بخير. ولكن هذه الأم قالت له: ولكن ما معنى أني قبل ثلاثة أيام رايتك في المنام في غرفة معتمة، وفجأة غمرها نور عظيم ؟ هنا تذكر أنه قد اسلم قبل ثلاثة أيام، وبشرح موجز بسيط دخلت الإسلام على الهاتف. وطلب منها ولدها أن تذهب إلى المركز الإسلامي ففي لندن لفهم أكثر عن الإسلام ، بعدها سمى هذا المغني الشهير نفسه بـ يوسف إسلام.