ومن مظاهر الإسراف: أولئك الذين تضع الدولة تحت تصرفهم سيارات خاصة بهم كي يسارعوا في إنجاز المهام الموكلة إليهم، وحتى لا يتأخروا في إنجاز مصالح المواطنين، ولكن هؤلاء يسخِّرون هذه السيارات لأغراضهم الخاصة، ويقضون حوائجهم الشخصية بواسطتها في وقت الدوام الذي يفترض أن ينجزوا به أعمالاً عامة لخدمة الأمة، حتى أن بعضهم يصيد الأرانب البرية بواسطة هذه السيارات، فأين يذهب هذا من عقاب الله يوم القيامة؟!.
وأما الذين يتفاخرون في بناء القصور الفخمة، ويضعون بها أرقى وأغلى أنواع الأثاث، وعندما يموت يعرض هذا القصر للبيع بمليون دينار فقط وهذا المبلغ هو أقل من نصف سعر التكلفة، والناس يعرضون عن شرائه بهذا الثمن المغري، ذلك لأنه لا يوجد به سوى غرفة نوم واحدة، إذ أن صاحبه كان محروماً من نعمة الأولاد، فلو بنى مصنعاً بثمن هذا القصر، فكم ستستفيد منه الأمة وتستغني عن بعض السلع المستوردة؟ وكم سيعمل فيه من أبنائها العاطلين عن العمل؟وكم أسرة ستعيش من إيراده؟.
وكل هؤلاء سيترحمون عليه، ويدعون له بعد موته، وسيبقى ذكره خالداً إلى الأبد، بدل أن يلعنه ورثته الذين جاءوا ليلتهموا أمواله التي كان يبخل عليهم بها في حياته.
وأما حفلات الأعراس التي يظهر فيها الكرم المصطنع، وتذهب أكوام الرز واللحم إلى حاويات القمامة، وكثير من الناس يتنهدون لرؤيتها، ولكنهم لا يدعون إلى مثل هذه الحفلات، بل يدعى إليها الذين عافوا اللحم، وجاءوا فقط ليظهروا أزياءهم، وحلي زوجاتهم في هذه الحفلات، ثم تطلق آلاف العيارات النارية في الهواء، بدل أن تدخر ليوم تدافع به الأمة عن كرامتها وأعراض أبنائها وبناتها!
و كما قد يؤتى بالمغنيات والراقصات لإحياء هذه الحفلات، وبدل أن يشكر الله يشرب الخمر، ثم يطلق النار في الهواء فيصيب ابنه، فإذا تأكد من موته أطلق النار على نفسه، فكانت خاتمته في الدنيا عصيان الله وقتل نفسه بغير حق، وبانتظار عذاب الله في الآخرة. ([1])
ثم إن الإقبال على البضائع المستوردة وترك الصناعة الوطنية إلا نوع من أنواع الخيانة الوطنية، فالذي يستورد البلاط من إيطاليا في حين أن معامل البلاط الوطني لا تدري أين تذهب بإنتاجها، فيزيد في وتيرة العمل لدى أمة طالما سفكت دماء المسلمين على مر عقود من الزمان، بينما يتعطل العمل في معامل أمته التي قدمت له كل شيء، أليس هذا نوع من الإسراف، بل نوع من الخيانة؟
فالنظرة الاقتصادية السليمة أن نشجع منتجات بلادنا، ونصدر منها إلى البلدان الأخرى؛ لنحصل على الأموال اللازمة من العملة الصعبة التي نستطيع أن نؤمن بها السلاح لأمتنا؛ لتدافع عن أبنائها، وأرضها، وعن عقيدتها ومعتقداتها، وإلا فسنبقى شعب مستهلك، نبيع المواد الخام من إنتاج أرضنا ومياهنا بأبخس الأثمان، ثم نعود ونشتريها بعد تصنيعها بأيدي أبنائنا الذين هاجروا بحثاً عن لقمة العيش في ديار الكفر بأغلى الأسعار، لنستنزف أموال الأمة فلا تجد ما تشتري به شيئاً يرد عنها عدوها، وبالتالي تقبل بما يمليه عليها ولو كان في غير مصلحة أبنائها. فويل لأمة تأكل مما ينتج غيرها، وتنتج بأيدي أبنائها أسلحة لتدمر به ذاتها.
([1])إقرأ إن شئت كتابي بر الوالدين بعد الزواج وإلا فخمس دواهي.
الشيخ زكريا القضاة الموقع الشخصي للشيخ زكريا القضاة
