البخل والشح

الإفراط والتفريط في الإنفاق.

) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ((البقرة:143)

قلنا فيما سبق أن الخلق الحسن هو: خلق محمود بين خلقين مذمومين؛ فالشجاعة هي خلق كريم بين خلقين هما الجبن والتهور، والكرم يتوسط البخل والإسراف، فالكرم للضيف كما عرفه بعضهم هو:أن لا تبخل بالموجود، وأن لا تطلب المفقود

من مضار البخل.

للبخل مضار اجتماعية كثيرة، إضافة إلى أن مضار البخل تطال معظم جوانب الحياة النفسية منها والصحية والتعليمية والاقتصادية وغيرها.

فالبخيل إذا مرضت ابنته واشتد مرضها ولم يرسلها إلى الطبيب من أجل العلاج، فإن المرض يستفحل بجسمها حتى تصاب بمرض عضال، وتترك المدرسة، ثم ينتهي بها الأمر إلى الوفاة، وبذلك يكون البخيل قد ارتكب عدة جرائم بحق ابنته، لأنها عندما تركت المدرسة ازداد جهلها، فزاد في المجتمع جاهلاً جديداً.

 وعندما أصيبت بمرض عضال حوّل فرداً من أفراد المجتمع إلى إنسان يأكل ولا ينتج، ناهيك عن مقاساته للآلام الشديدة، إضافة إلى الآثار النفسية التي تحيط بهذه المريضة وبأسرتها، وما يتحمله المجتمع من نفقات على هذه المريضة بعد أن انتقلت مسؤولية علاجها من والدها إلى الدولة.

كل ذلك وأكثر حصل بسبب بخل الوالد ببضع دراهم أو دنانير هي تكلفة العلاج والمرض في بداياته.

وقد يتساءل بعض الناس عن مضار البخل الاقتصادية، لأن البخل اقتصاد بحد ذاته وهو يؤدي إلى مخاسر مادية، لا العكس؟.

وفي الحقيقة أن البخل كله مضار، وليس له فوائد، وحتى من الناحية الاقتصادية فإنه مدمر، فالذي يبخل على زوجته بخمسة دنانير ثمن العلاج فيستفحل المرض بها وتموت، فإنه يخسر المهر الذي دفعه، ثم يخسر المهر الجديد الذي سيدفعه للزوجة الجديدة، فهو دفع أضعاف أضعاف ثمن العلاج، ثم هيهات له أن يجد امرأة تقبل به زوجاً بعدما عرفت بقصته مع زوجته السابقة.

كما أن الذي يبخل على أولاده بالطعام المفيد، فلا يأكلون الفاكهة إلا في المناسبات، ولا يتذوقون اللحم إلا في عيد الأضحى، وحتى الخضار لا يأتيهم به ولو مرة في الأسبوع، فماذا يحدث لهم ؟

لا شك أنهم سيعيشون في جحيم، وستكون حالتهم النفسية سيئة جداً، لأن الولد إذا رأى الفاكهة بيد ابن الجيران تنهد لها، وتمناها، وحسده عليها، وقد تؤدي شهوة شيء وعدم تناوله إلى الوفاة.

 كما أن الحسد يقتل صاحبه، وقد يصاب أهل البخيل وأولاده بالمرض بسبب نقص الفيتامينات الضرورية للجسم، عدا عن الأخطار الاجتماعية والنفسية التي تتعرض لهما عائلة البخيل، إذ أنهم لا يجدون الشفقة والرحمة التي يجدها الفقراء؛ لأنهم ليسوا فقراء، وإنما مبتلون بوالد فقير النفس:

إن البخيل وإن أفاد غنى    : لترى عليه مخايل الفقر.

علاج البخل.

عالج الإسلام البخل بطرق شتى، وبحث عن جذور البخل واجتثها من أصولها، ونقّى المجتمع المسلم من هذه الخصلة الذميمة،  ومن الوسائل التي عالج بها الإسلام البخل ما يلي:

1-نهى الإسلام عن البخل بالشيء المفيد الذي لا يكلف جهداً ولا مالاً، فعدّ ترك الصلاة على النبي r إذا ذكر، من باب البخل.

2-توضيح معنى البخل، فالبخل هو عدم إعطاء الحقوق لأصحابها.

3- توضيح معنى الكرم المضاد للبخل، وأفضل أنواع الكرم إرشاد الناس إلى دين الله عز وجل، فقد قالr:”… وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ …”(.رواه مسلم 720).

4.التدرج في الأمور، الأهم فالمهم، قال r:”دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ”( رواه البخاري 3318).

5-إخفاء النعم عمن لا يملكها، فنهى الإسلام عن التبجح بالنعم أمام الفقراء الذين لا يملكون شيئاً، فلا تدع طفلك يخرج بالفاكهة إلى الشارع، ولا تؤذ جارك الفقير برائحة شواء اللحم.

6.حث الإسلام على الهدية، لأجل المحبة، والإحسان إلى الآخرين.

7.أمر بأداء الزكاة لمستحقيها، وحذر من منعها، قال تعالى:

)وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ( التوبة(34-35).

8-اللجوء إلى القضاء، لتحصيل الحقوق في حال التقصير بأدائها، كنفقة الزوجة، وأداء الزكاة، وإقراء الضيف في المكان الذي لا توجد فيه مطاعم وفنادق…الخ.

9-. الترهيب من البخل والتحذير منه، قال تعالى: )وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ(سورة ال عمران، الآية (180).

وقال أيضاً:)الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا(سورة النساء، الآية (37).

 وقال r:”لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بَخِيلٌ”( رواه أحمد 14).

10.الحث على التخلص من البخل، فقال عز من قائل:

)وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ()9الحشر.

ولذلك فإن الله تعالى لم يبخل برزقه عن الكفرة والعصاة، وحين طلب سيدنا إبراهيم عليه السلام من الله أن يرزق المؤمنين

)وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ( ، أجابه الله تعالى بأنه سيرزق الكافرين أيضاً في الدنيا، وحسابهم في الآخرة شيء آخر:

)قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ

 وَبِئْسَ الْمَصِيرُ(126البقرة.

عن qudah

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

4- التوسط في الإنفاق

4- ...

%d مدونون معجبون بهذه: