الميراث في الإسلام
نعمة لا يـــجوز التلاعب بها
فالميراث تشريع إلهي ينفعنا في المجال الاقتصادي بشكل مباشر، فهو لا يخلو من إعجاز، بل فيه معجزات كثيرة
فحينما يود أحدهم أن يحرم بناته من الميراث، ويقسم الميراث في حياته على أبنائه الذكور فقط، فما هو شعور بناته؟ وما هو شعور أصهاره؟ وما هو شعور أحفاده من جهة بناته؟ ثم ما هي نظرة المجتمع والناس لهذا العجوز الذي فرط في دنياه و آخرته ؟
ثم إذا ما شعر الابن بعدم حاجته لهذا الوالد؛ لأنه قد أخذ منه في حياته ما كان سيأخذ نصفه في حال موته، فكيف ستكون معاملته له؟.
ثم ما شعور هذا العجوز إذا طرده أبناؤه ولم يجد ملجأً غير ملجأ العجزة؛ لأنه ما عاد يملك شيئاً؟ وكم سيكون ندمه؟
وإذا فكر في الذهاب إلى ابنته التي حرمها من حقها ليعيش عندها بعد أن طرده أولاده الذين أعطاهم كل شيء، فكم سيكون ذليلاً؟ وكم ستوبخه نفسه؟
ثم كيف سيكون استقبال أولاد ابنته الذين حرم أمهم من حقها؟ وكم ستكون سعادة صهره بهذا القدوم الأليم؟
لهذا حث النبي r على ضرورة العدل بين الأولاد فقال:” اعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمُ اعْدِلُوا بَيْنَ أَبْنَائِكُمْ ” (أبو داود في البيوع (3544).
أليس لنا في قصة يوسف وإخوته من عبرة ؟!
ثم أيهما أفضل أن توزع تركتك بنفسك، فترضي بعضهم وتغضب بعضهم الآخر، فيترحم عليك من رضي، ويدعو عليك من غضب؟
أم تدع كل شيء حتى تموت، وتقسم التركة حسب ما أراد الله، ويرضى عنك الجميع ويترحمون عليك؟ والأهم من هذا رضا الله أولاً وأخيراً، وهذا يحمل في طياته إعجازاً آخر في أن الله تكفل بتقسيم المواريث بنفسه.
في كل مخالفة للشرع، ضلال وهلاك:
حينما تقرر بعض الأنظمة بان الإنسان حر في تصرفاته، ويقولون بأن الملكية الفردية مقدسة، وله أن يقسّم ميراثه كما يشاء، فإنهم بذلك يخالفون شرع الله.
نعم الإنسان حر، وقد قال عمر بن الخطاب tمقولته المشهورة:” متى استعبدتم الناس وقد ولتهم أمهاتهم أحراراً”، كما أن الملكية الفردية في الإسلام محترمة، ولكن التصرف فيها له ضوابط، أما الميراث فله شأن آخر.
وقفة مع الميراث
عند الآخرين:
كيف يكون حال الزوجة، وهي تعيش على أعصابها حتى يموت زوجها، وهي بين نارين، نار الفرحة المطلقة في أن يكون قد أوصى لها زوجها بالميراث كله، ونار الحرمان إن هو أوصى بالمال كله للسكرتيرة؟ وكلا النارين قد يؤدي إلى الجلطة القلبية.
وكيف سيبقى الولد يفكر ليلاً نهاراً، هل سيعطيه أبوه الميراث كله، أم يحرمه منه كله؟ وهل سيقسم بينه وبين أخوته بالتساوي؟ وهل ينفعه أن يوقع بين أبيه وأخيه المقرب من أبيه، كي يفوز بحصته من الميراث ويضمها إلى حصته؟
وهل مثل هذا المجتمع الذي يضم مثل هذه النماذج يمكن أن يكون سعيداً ؟ أم أنه في غاية الشقاء؟ وماذا لو فوجئ الابن الوحيد بأن أباه قد أوصى بكل ثروته لكلبه، ونسي فلذة كبده؟
أليس في توزيع الميراث حكمة؟
نموذج آخر من قوانين البشر
في التعامل مع الميراث.
بعض الإقطاعيين والرأسماليين يوصون بكل ثروتهم للابن الأكبر، بحجة المحافظة على سمعة العائلة من الناحية المالية، وتبقى الثروة كبيرة ويخلَّد اسم هذا الإقطاعي مدى الحياة -كما يزعمون- بينما يعطى باقي الأولاد ما يشبه جوائز الترضية، وكأن بقية لا حق لهم بشيء، وكأن اللقب أولى من ثمرة القلب، وكأن المفاخرة وإن كانت بعد الموت أولى من العدالة، حتى بين الأولاد.
أليس هؤلاء أشبه بمن كانوا يدفنون أموالهم معهم ليشتروا بها في الجنة، وعندما تنبش قبورهم تجد أموالهم ولا تجد أشلاءهم؟ إنهم في الحمق سواء.
ثم ما هو شعور الولد الثاني والثالث والرابع والعاشر الذين لم يحالفهم الحظ في أن يكونوا الولد الأكبر؟ وهل سيدعُون لأخيهم الأكبر بطول العمر؟ أم سيدعون عليه من أعماق قلوبهم بأن يأخذه Q ويريحهم منه، ليحلوا مكانه؟
وهل الولد الأكبر سيشعر بالأمان؟ أم أنه سيبقى مرعوباً من إخوته، وكم سيكون حريصاً على حياته، وربما يبدأ بهم فيدبر قتلهم، أو يؤجر لهم من يقتلهم قبل أن يقتلوه؟ وهل تضمن أن هذا الولد الأكبر سيحافظ على المال وينميه؟ فربما يضيعه في اللهو واللعب، وفي سبل الشيطان الكثيرة، فتكون قد خسرت الدنيا والآخرة.
الإعجاز الإلهي:
لقد ساوى الله بين البشر وأمرهم بتذكر الرحم الأولى، في أكثر من مناسبة، فقال جل ذكره: )يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا(سورة النساء، آية(1).
أوليس الذين يفرقون بين الأخ وأخيه أجدر بالحمق من الذين لا يفرقون بين الأسود والأبيض؟ ألم يقل سبحانه وتعالى:
)يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ( الحجرات(13).
فالله سبحانه وتعالى هو أعلم بعباده؛ لأنه هو الذي خلقهم:
)أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ(14 الملك)
فلم يترك لهم مهمة تقسيم الميراث، لأنه يعلم بأنهم غير قادرين على ما يحقق الخير لهم، ولورثتهم من بعدهم، ولذلك تكفل بنفسه بتقسيم الميراث، وفي هذا إعجاز تشريعي رائع.
الشيخ زكريا القضاة الموقع الشخصي للشيخ زكريا القضاة
