كيف يحصل التفاوت المالي
منــع الزكــــاة
هز العالم مرتين في القرن العشرين:
مرة بقيــام الشيوعية، والثانية بانهـــدامها
تمهيد:
دخلت في صباي إلى متجر، وجلست منتظراً تجهيز حاجاتي من هذا المتجر، فدخل سائل إلى المتجر وطلب من صاحبه بإلحاح أن يتصدق عليه، ففتح التاجر درج النقود، وأخرج قطعة نقود صغيرة و مهترئة، فضرب بها على الطاولة بعنف وقال له: خذ ولا تعد ثانية.
تعجبت من تصرفه وقلت له: لماذا فعلت معه هكذا؟.
فقال: نحن يا شيخ زكريا نزكي والحمد لله.
وفي هذه الفصل سأحاول أن أبين خطأ هذا التاجر، وجهله بأحكام الزكاة خاصة، وبالإسلام عامة، وكيف أن عدم أداء الزكاة هز العالم مرتين: مرة بقيام الشيوعية والأخرى بانهدامها.
كيف يحصل التفاوت المالي بين الناس؟.
لو افترضنا أن شخصاً ما توفي وله عدد من الأولاد لم يعلمهم الدين، وأراضي كبيرة، فاقتسموا الأرض فيما بينهم، فأحدهما(س) زرع الأرض قمحاً والآخر(ص) زرعها بندورة (طماطم). أصيب القمح بآفة زراعية فأفسدته، فخسر(س) خسارة كبيرة، كما أن ولده الذي يساعده في العمل أصيب بمرض، احتاج معه إلى عملية جراحية تكلف مائتي دينار فاضطر لاستئجار عامل بدلاً منه براتب شهري.
أما محصول البندورة عند (ص) فكان جيداً، كما أن سعرها ارتفع فجأة، فكانت أرباحه مضاعفة .
(س) بحاجة إلى النقود لكي يعالج ابنه، ويدفع أجرة العامل الجديد، ويسدد التزاماته نتيجة الخسارة، فذهب إلى (ص) يطلب منه مساعدة، فرحب به غاية الترحيب، وأبدى استعداده لتأمينه بالمبلغ على أن يرده في العام القادم مضافاً إليه 50% فائدة، وهكذا كانت الفوائد قديماً([1])، فوافق (س) على مضض لأنه بحاجة ماسة للنقود وليس له خيار آخر.
وفي العام القادم عزم (س)على أن يزرع بندورة؛ لما يعرف بالدورة الزراعية، و عزم (ص) على أن يزرع قمحاً، فجادت السماء وغلّ القمح، في حين أن سعر البندورة انخفض كثيراً، بحيث لم يسدد سعر التكلفة، وابن (س) لا يزال في فترة نقاهة بعد العمليةً، مما زاد في ديونه والتزاماته ولم يستطع أن يسدد دين (ص)، فذهب إليه معتذراً عن التأخير، فقال له:
لا باس، سنؤجل المبلغ مضافاً إليه الفائدة للعام القادم بفائدة جديدة، فإذا كان المبلغ المقترض في العام الماضي (400) دينار، فإنه أصبح هذا العام(600) دينار، وفي العام القادم سيصبح (900).
وفي العام الثالث مات ابن(س) فانشغل به عن الزراعة، واضطر لاستئجار عامل آخر، ونتيجة قلة الإشراف جاء الموسم رديئاً، فلم يستطع أن يسدد التزاماته لـ (ص) فذهب إليه بعرض جديد، لأنه لو بقي على العرض الأول فإن المبلغ سيصبح(1350)، فقال له:
يا أخي ما رأيك أن تشتري أرضي فتأخذ حقك، وتعطيني الباقي أنفقه على عيالي، وسأعمل بالأرض على نصف إنتاجها، فأجابه (ص)على ذلك.
والسؤال الذي يطرح نفسه: إذا كان (س) قد أصبح فقيراً وهو يملك كامل الأرض، فكيف سيصبح حاله مع نصف إنتاجها بالمستقبل؟
وإذا كان (ص) قد أصبح غنياً بأرض واحدة، فكيف إذا انضم إليه نصف ناتج الأرض الأخرى؟
لقد أصبح (ص) غنياً عن العمل بالأرض، ففتح دكاناً يبيع فيه حاجات أهل البلدة الضرورية بالسعر الذي يحدده هو، خاصة إذا كان المشتري لا يملك الثمن نقداً، فإن السعر يتضاعف، وعند موسم الحصاد يأخذ المحصول بأبخس الأثمان، وعند الزراعة يبيعهم المحصول نفسه بأغلى الأسعار: )وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ* الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ(، فصار عنده فائض من القمح والحبوب، وفي إحدى السنين العصيبة، احتبست الأمطار، فكانت سنة قحط، فلم يجد أهل البلد سوى هذا التاجر المرابي ليبيعهم القمح، فاستغل حاجة الناس للقمح فصار يبيعه بسعر مضاعف نقداً، وبثلاثة أضعاف نسيئة، ومن لا يستطيع تسديد دينه يشتري أرضه بأبخس الأثمان، ويجعله أجيراً عنده.
وبهذه الطريقة أصبح يملك أراضي القرية بكاملها وجزءً من أراضي القرى المجاورة ([2]).
وبهذه الطريقة أصبح عند بعض المرابين أربعين أو خمسين قرية تحت ملكه، له أراضيها وحيواناتها ومواشيها، بل وهو الحاكم لهذه الولاية، وله حرسه الخاص!.
وإذا أحتاج إلى المال لأجل مشروع ما، فإنه يبيع قرية بكاملها بأهلها، وحيواناتها، ومواشيها، وأراضيها لإقطاعي آخر، ثم لا يكون لأهل القرية حق الاعتراض على ذلك، وليس عليهم إلا أن يقدموا الولاء والطاعة للإقطاعي الجديد، بغض النظر عن حبهم للأول وبغضهم للثاني أو العكس.
وفي ظل هذه الظروف أصبحت كلاب الإقطاعي تعاف اللحم، في حين أن أطفال الفلاحين يموتون جوعاً، ولا يجدون الخبز الحاف.
إذا فهذه هي ملخص مساوئ النظام الإقطاعي هي:
1-الربا2- الاحتكار 3- عدم مساعدة المحتاج.
حلول مؤقتة:
جاءت الثورة الصناعية، وبدأت المدن تستوعب آلاف الهاربين من النظام الإقطاعي، ظناً منهم أن الرأسمالية هي المنقذ الأعظم، ولا يدرون أن مثلهم كمثل: المستجير من الرمضاء بالنار، وما هي إلا تبديل بالأسماء والمواقع، فاستبدل ظلم الإقطاعيين بظلم الرأسماليين، واستبدل الفلاحين المظلومين بالعمال اليائسين.
[1] كان يجلس في درس الشيخ الشامي، فوقع في براثن المرابين على أن يعطوه أموالاً، فيقرضها لغيره لمدة عام العشرة بسبعة عشر دينارا؛ له ديناران وخمسة للمرابي الكبير والعشرة تعود لصاحبها، وكان يسمى حسن أبو خنانة لفقره، فصار يسمى حسن آغا لغناه، وكان لا بد أن يقوم أهل الحق بزيارته لتذكيره بالرجوع عن الحرام ولو كان كثيرا إلى الحلال وإن كان قليلاً، فجاء إليه صديقه وجلس على الأرض وقال له: والله يا صديقي إنه لا يجوز لي أن أجلس على بساطك لأنه حرام، فهيا بنا يا أخي لكي نعود لدرس الشيخ فالدنيا فانية والآخرة باقية . فقال حسن بتهكم وسخرية :
إن كان بعض الناس سيدخل جهنم مطأطأ ( هيك ) وأشار برأسه، فأنا سأدخلها رافعاً رأسي ويداي ( هيك) وأشار بيديه .
هنا صُعق الشيخ من هذه الوقاحة: وصاح: الله . الله. وخرج. وعندما دخل أهل البيت وجدوا أباهم المرابي رافعاً يديه، وبقي كذلك ثلاثة أيام ودخل القبر كذلك ولم تفلح جميع وسائل الطب والبيطرة في ثنيها فأدخل القبر كذلك . فهل من معتبر ؟
وسقنا هذه القصة شاهداً على أن الربا كان أكثر من النصف في الزمن الماضي.
([2])وهذا المثال ليس من نسج الخيال، ولكن هذا ما حدث فعل في بلاد أوربا فيما يسمى بالقرون الوسطى عندهم بينما كان المسلمون يرفلون بأثواب العزة والعدالة. وعندما تركت الأمة دينها حدث لها ما حدث لغيرها ففي كثير من قرانا في نهاية القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين، و في إحدى قرى محافظة إربد، استطاع أحد المرابين (النصارى) أن يستولي على جميع أراضي البلدة بلا استثناء، وأجرّها لهم، ورحل إلى الشام، وفي حوالي عام 1985 قام ببيعها لأحد المستثمرين، وسجلها بقيمة أعلى من قيمتها الحقيقية بثلاثة أضعاف، فلما أراد أهل البلدة أن يستردوا أرضهم (بالشفعة) اضطروا لدفع ثمنها مضاعفاً، ولم يستطيعوا أن يسترجعوا سوى ثلث الأرض، بعد أن لجأ معظمهم إلى القروض الربوية، وبقي الثلثان للمستثمر مجاناً. وراجع مسرحية تاجر البندقية لشكسبير (أو شيخ زبير) عندما أقرض اليهودي شاي لك مبلغا من المال وشرط عند عدم سداده أن يقطع رطلا من اللحم من المستدين!