الرئيسية / المكتبة / اقتصاديات / مفهوم الزكاة في الإسلام

مفهوم الزكاة في الإسلام

مفهوم الزكاة في الإسلام:

إن مفهوم الزكاة في الإسلام يختلف عن جميع المفاهيم الأخرى، فهو حق لبعض الفئات في أموال الأغنياء، يعطونه عن طيب خاطر، ولا يشعرون بأنهم متفضلون بهذا العطاء، وإنما يدفعونه وهم يخافون أن لا يتقبله الله منهم، ويدعون الله تعالى ويضرعون إليه بأن يتقبل منهم، وأن يجزيهم به يوم القيامة، ولا ينتظرون ممن يأخذ زكاة أموالهم حمدا ولا شكوراً، )وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا(8الانسان ،

 وهناك عدة أمور يجب على المسلم فهمها حتى يحقق إرادة الله من الزكاة والهدف منها:

أولاً:  

إن الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام الخمس، فهي واجب شرعي، وقد قرنها الله تعالى بالصلاة، فما من أمر في كتاب الله يأمر بالصلاة إلا وتلاه أمر آخر يأمر بالزكاة في الآية نفسها، أو التي تليها، فلا يصح أن يدعي أحد الإسلام وهو لا يلتزم بأداء الزكاة إن ملك نصابها، وتحققت فيه شروطها، لأنه سيحاسب على ذلك أمام الله يوم القيامة، وقد قاتل أبو بكر t   الذين رفضوا دفع الزكاة بعد وفاة النبي.

ثانياً:

 الزكاة في نظام الإسلام تأخذها الدولة المسلمة من الأغنياء؛ فلا يتكبر الأغنياء بإعطائها للفقراء، وتدفعها للفقراء، فلا يذل الفقراء بأخذها من الأغنياء، وهذا الجمع له أصوله، ونظامه الخاص، والبحث فيه يطول، فليرجع فيه إلى الكتب المتخصصة.

ثالثاً:

يهدف نظام الزكاة في الإسلام إلى تحويل الفقراء من آخذين للزكاة إلى دافعين لها، فلا يبقى الفقير يأخذ الزكاة طوال عمره، بل يأخذ من الزكاة مرة واحدة، وبعدها يطالَب بدفع زكاة أمواله، لأنه سيصبح في صف دافعي الزكاة، وليس في صف آخذيها.

فقد ورد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ أَتَى النَّبِيَّ r يَسْأَلُهُ فَقَالَ: أَمَا فِي بَيْتِكَ شَيْءٌ قَالَ: بَلَى حِلْسٌ نَلْبَسُ بَعْضَهُ وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ وَقَعْبٌ نَشْرَبُ فِيهِ مِنَ الْمَاءِ قَالَ: ائْتِنِي بِهِمَا قَالَ فَأَتَاهُ بِهِمَا فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللَّهِr بِيَدِهِ وَقَالَ: مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ قَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ قَالَ: مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، قَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ، فَأَعْطَاهُمَا إِيَّاهُ وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ وَأَعْطَاهُمَا الْأَنْصَارِيَّ وَقَالَ: اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فَانْبِذْهُ إِلَى أَهْلِكَ وَاشْتَرِ بِالْآخَرِ قَدُومًا فَأْتِنِي بِهِ فَأَتَاهُ بِهِ فَشَدَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ rعُودًا بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ: اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَبِعْ وَلَا أَرَيَنَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَذَهَبَ الرَّجُلُ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ فَجَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ فَاشْتَرَى بِبَعْضِهَا ثَوْبًا وَبِبَعْضِهَا طَعَامًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِيءَ الْمَسْأَلَةُ نُكْتَةً فِي وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِثَلَاثَةٍ لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ”ابو داود/الزكاة1641

وفي رواية البخاري/البيوع:2074 قالr:”لَأَنْ يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا فَيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ” .

 وهكذا فإن النبيr بدلاً من أن يعطي هذا الرجل دريهمات يسد بها رمقه لمرة واحدة، دله على طريقة يستغني بها عن السؤال إلى الأبد، وفي الأمثال يقولون: “بدلاً من أن تعطي الفقير سمكة علمه كيف يصطاد السمك” وعليه يمكن أن نضرب عدة أمثلة للتعامل مع الفقراء، حسب النظام الإسلامي للزكاة:

1. لو أن رجلاً جاء إلى عامل الزكاة وقال له: إنني رجل فقير لا أملك مالاً، ولكنني أجيد مهنة النجارة اليدوية، فيجري له امتحان ميداني، فإذا تأكد من مهارته في النجارة، يعطيه ألف دينار أجرة المحل( الدكان) لسنة قادمة، وألفاً أخرى ثمن أدوات النجارة، وألفاً ثالثة ثمن المواد الخام، وألفاً رابعة للإنفاق على المنجرة، وعلى نفسه، وفي العام القادم نأتي إليه ونقوّم ما عنده من أموال تستوجب الزكاة، ونأخذ منه الزكاة، وتنتهي مشكلة هذا الرجل إلى الأبد.

ولو كان الرجل حداداً، ويجيد الحدادة الآلية، والمحددة تحتاج إلى أدوات أكثر من النجار، ومحل أكبر، فبعد الامتحان يعطى عشرة آلاف ثمن الآلات، ومثلها للمحل والمواد، ومثلها لدفع مصاريف المحل والآلات، والإنفاق على المحددة وعلى نفسه وعماله، ثم يأتي في العام القادم شاكراً، ويدفع الزكاة المستحقة عليه. وهكذا صانع الذهب، وجميع أصحاب الصناعات الأخرى يأخذ من بيت المال ما يكفيه لينشئ صناعة جديدة، وينتقل من آخذ للزكاة إلى دافع لها خلال عام واحد.

2. لو أن رجلاً شاباً قوياً، ولكنه لا يملك المال، فيدفع له بيت المال، ما يكفي لشراء عربة لنقل الحاجيات، فيعمل عليها، أو يعطى مبلغاً آخر فيشتري به بعض المواد كالخضار والفواكه، وغيرها فيبيع وينفق على عياله، وإذا زاد معه مالاً يبلغ النصاب أخذنا منه زكاة ماله.

3. أما لو جاء رجل عجوز لا يملك مالاً، ولا قوة، فيمكن أن يشترى له بيتاً، فيؤجره وينفق على نفسه من أجرته حتى يموت، فإذا مات عاد البيت إلى بيت المال.

 رابعاً: ومن مفاهيم الزكاة أيضاً:

أنه لا توجد مصالح متضادة بين ملك المسلم وملك الدولة، إذ أن الدولة هي عبارة عن مجموعة أفراد، فإن كانوا أغنياء، كانت الدولة غنية، وإن كانوا فقراء كانت الدولة فقيرة، لذلك قال عز وجل:) وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا(5النساء، فالدولة إذا أعطت فإنما تعطي نفسها.

خامساً:

الزكاة التي تأخذها الدولة من الغني، هي لمصلحته، ومصلحة أولاده، إذ هي تأمين له ضد الفقر، وكأن الإسلام يقول له: إن الأيام دول، فإن بقيت أنت غنياً، وأولادك من بعدك، لقيت الله شاكراً مزكياً، وإن أصابك الفقر يوماً ما، كانت الدولة قادرةً على إعطائك ما يكفيك بلا مَنٍّ ولا أذية،كما كنت تعطي في غناك، فالزكاة تأمين لكل أفراد الدولة ضد الفقر والعوز.

(قصة): بينما كان رجل غني يجلس في قصره، ويأكل دجاجاً مشوياً هو وزوجته، وإذ بسائل يطرق الباب، فقال الغني لزوجته اطرديه، وبعد ذلك صارت الأمور تضيق على هذا الرجل يوماً بعد يوم، حتى اضطر لبيع القصر، وأنفق ثمنه في تسديد ديونه والتزاماته، ثم لم يبق معه شيء ينفقه على زوجته، فطلقها بسبب الإعسار.

وتزوجت المرأة برجل آخر غني فاشترى لها القصر الذي كانت تسكن فيه مع زوجها السابق، وذات يوم جلس الزوج الجديد مع زوجته يأكلان الدجاج المشوي، وكان أمام كل منهما دجاجة، وإذا بسائل يطرق الباب، فقال لزوجته:

خذي إحدى الدجاجتين، وأعطيها للسائل، وتكفينا واحدة، فأخذت الدجاجة لتعطيها للسائل، ولكنها عادت باكية، فقال لها زوجها: لا تبكِ، فدجاجتي كلها لك، فقالت:

إنني لا أبكي على الدجاجة، وإنما أبكي لأن السائل هو زوجي القديم، فقال لها لا تبكي، فإني والله الفقير الذي طردته من بابك في العام الماضي، فقد آتاني الله من فضله، فشكرته على نعمائه، ولم أطرد السائل، وكذلك هي الأيام دول:)وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ(140آل عمران.

وهكذا فحين يدفع المسلم زكاة ماله وهو ميسور الحال، فإنما يضمن أنه لا يحتاج أحداً إذا أصبح معسراً في يوم من الأيام.

فالإسلام يقول لأتباعه: أذهب إلى العمل ولكن إياك من: الربا، أو الغش، أو الاحتكار، أو الاستغلال. فإذا رجعت إلى بيتك ومعك النقود الوفيرة، وجاء وقت إخراج الزكاة، وعندك النصاب، طالبك الإسلام بدفع الزكاة لأخيك المسلم الذي تتعاون وإياه في تربية جيل آخر قادر على حمل الأمانة للأجيال القادمة، وتتكاتف معه للدفاع عن الوطن الإسلامي الكبير، وقد يكون شفيعاً لك يوم القيامة.

ادفع زكاتك اليوم لتؤمن نفسك وعيالك غداً من الفقر، وما يخبئه لك الزمان، وبذلك تلغى شركات التأمين التي توظف أحذق الحقوقيين للتخلص من الدفع، والتي لا تؤمن إلا للأغنياء.

سادساً:

الزكاة تؤخذ من الغني بطيب النفس، فإن أبى أخذت منه بالقوة إضافة إلى شطر ماله، تأديباً له على غطرسته، وحتى لا يفكر بالعودة إلى هذا السلوك الذي لا يتناسب مع ما يجب أن يتمتع به المسلم من عادات وأخلاق، فقد روى النسائي بسنده عن بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ r يَقُولُ:” … مَنْ أَعْطَاهَا مُؤْتَجِرًا فَلَهُ أَجْرُهَا وَمَنْ أَبَى فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ إِبِلِهِ عَزْمَةٌ مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا…” كتاب الزكاة2444.

سابعاً:

الزكاة هي الحد الأدنى الذي يدفعه المسلم لأخيه المسلم، وهناك الصدقات، والكفارات، والنذور، والهدايا.

ثامناً:

الزكاة والصدقة تكفر الذنوب، وتطهر الأبدان والأموال، قال تعالى:)خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا(103التوبة، ويقول r:”إِنَّ الصَّدَقَةَ لَتُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ وَتَدْفَعُ عَنْ مِيتَةِ السُّوءِ”الترمذي/الزكاة:664،فإنفاق الأموال في وجوه الخير سبب في نمائها وتزكيتها، ولذلك فإن الزكاة تختلف عن الجزية، كما أنها تختلف عن الضريبة قلباً وقالباً، مع العلم بأن المصلّي يجب أن يزكي، لأنه ينهي صلاته بالتسليم عن اليمين والشمال، فإذا رأى أخاه الفقير يصلي بجانبه، فكيف لا يساعده.

تاسعاً:

ومن المفاهيم الخاصة بالزكاة، أنها سر بينك وبين الله تعالى، تُسِر بأدائها، وتحتاط لها، فلو خصم من راتبك نصف دينار تجدك تتصل بالجهة المختصة، وتستفسر عن سبب هذا الخصم، وكيف يمكن أن تتحاشاه مستقبلاً، لكنك عند أداة زكاة الفطر، تؤديها عن نفسك وعن غيرك، وتحتاط لذلك، فقد تدفعها عن الجنين الذي لا يزال في بطن أمه، وعن الغائب الذي سيدفعها في مكان وجوده، ولكنك تدفعها عنه خوفاً من النسيان أو من أي عارض آخر، وقد يأتيك من يطلب الصدقة بعد أن تكون قد أديتها، فتعطيه زيادة عما هو مطلوب منك لماذا؟

 والجواب لأن هذا الأمر بينك وبين الله، تؤدي ما عليك، وتخاف من النقص، وتأمل في زيادة الأجر، وهذا ما لا تفعله مع محاسب الماء والكهرباء والهاتف، وغير ذلك .كما أن الزكاة لم تنقطع بزوال آخر دولة تحكم بالإسلام، بل إن المسلمين الملتزمين يقومون بأدائها، رغم أنه لا أحد يجبرهم على دفعها، وهذا فرق عظيم بين الزكاة والضريبة.

عاشراً:

 الزكاة مثلما أنها تأمين ضد الفقر، فإنها تأمين ضد الحريق والحوادث الأخرى، فلو جاء رجل إلى مسؤول الزكاة وقال له: احترق دكاني، فيسأله: وكم يساوي دكانك؟ فيقول: مائة ألف، فيفتح المسؤول سجلات الزكاة، ويبحث عن مقدار الزكاة التي كان يدفعها هذا التاجر، فإذا وجده قد دفع زكاة ماله عن خمسين ألفاً فقط، يقول له:

 خذ هذه خمسون ألفا فقط، وهذا جزاؤك يا من تلاعبت بأداء الزكاة، فمن يستطيع أن يتلاعب بأداء الزكاة بعد ذلك، إذ أنه سيدفع زكاة المال كله، كي لا يخسره كله عندما يتعرض لمصيبة في ماله،ومن يضمن أن لا يتعرض متجره للحريق أو غيره؟ وعندئذٍ سترحل كل شركات التأمين من بلادنا.

كما أن الزكاة تأمين ضد الأمراض والإعاقات:

 فها هي المستشفيات الإسلامية تخصص صندوقاً فيها يسمى صندوق المريض المحتاج، ينفق منه على علاج المرضى الذين لا يجدون ثمن العلاج، ويمول هذا الصندوق من أموال الزكاة، إضافة إلى نسبة من الأجور التي تحصل من القادرين، فمن يضمن نفسه من المرض، وهناك بعض الأمراض التي يكلف علاجها عشرات بل مئات الآلاف من الدنانير؟

حادي عشر:

الزكاة تساهم في بناء القوة العسكرية للدولة المسلمة، إذ تذهب بعض أموال الزكاة لتجهيز الجيوش، وشراء المعدات العسكرية، وغيرها وهذا دين للوطن في أعناق الجميع نسدده من خلال دفع التزاماتنا المفروضة علينا، فنرضي ربنا، ونحمي أرضنا، وبالتالي يعم الأمن والاستقرار، اللذان لولاهما لم تزدهر صناعة ولا تجارة.

وبعد هذا العرض لفوائد الزكاة، وخطورة منعها أو التقصير في أدائها، أرجو أن أكون قد وفقت في إفهام ذلك التاجر الذي أشرنا إليه في مقدمة الموضوع، وأمثاله من الجهلة بالإسلام، بأن الزكاة شيء عظيم، ولهذا استحق أن يكون الركن الثالث من أركان الإسلام التي لا يكتمل إسلام المرء إلا به.

عن qudah

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

4- التوسط في الإنفاق

4- ...

%d مدونون معجبون بهذه: