حماقة الشيوعية
تنعكس على عملية الإنتاج:
نتيجة لهذه السياسة الحمقاء تناقص الإنتاج في روسيا بشكل كبير، وبعد أن كانت تصدر القمح للعالم بفضل تربتها الخصبة وأراضيها الواسعة، أصبحت أكبر مستورد له؟ .
هل لأن السماء ما عادت تمطر، أم أن الأرض ما عادت تنبت؟ بل بسبب قتل الوازع الفردي للإنتاج، فالمجد والكسول يأخذان الكمية نفسها من الإنتاج، والمثل القديم يقول: ” أعطني قرصي، أريك حرصي”، فتكاسل الجميع وقلّ الإنتاج، وبدلاً من أن يعمل أحدهم قليلاً، والآخر كثيراً، ويأخذ كلاهما قليلاً، أصبح الجميع يعمل قليلاً، ولا ينتج إلا قليلاً، ولا يأخذ إلا قليلاً أيضاً، وانعكس هذا على الناتج الكلي للدولة، حتى اضطرت روسيا لشراء القمح الأمريكي بخالص ذهبها الذي تنتجه، لكي تغطي على عيب الشيوعية الاقتصادي الرئيسي، وهو إنكار حق التملك الفردي، الذي أدى إلى قتل الوازع الرئيسي للإنتاج.
والسؤال الكبير: إذا بقيت الأمور على هذا الحال، فما العمل؟.
و الجواب: صعب للغاية، فإن هم عادوا إلى التملك تناقضوا مع دعواهم، وإن بقوا على إصرارهم ماتوا جوعاً وكمداً، فما الذي حصل؟
اجتمع المُنَظِّرون وتدارسوا الأمر وأوصوا بما يلي:
1. لتغطية عيوب الشيوعية، لا بد من الاستمرار في انتقاد الإقطاعيين-رغم أنهم انتهوا-، وإظهار مثالب الرأسماليين-رغم أنهم تراجعوا-.
2. حتى لا يطلع أتباعنا على منجزات الغرب، علينا منعهم من الذهاب للخارج فأنشئوا ( سور برلين).
3. حتى لا يُفشل الرأسماليون مخططاتنا، يجب أن نشوش على إعلامهم، وننتج راديو وطني لا يستقبل إلا محطاتنا الداخلية، ولا يستقبل غيرها.
4. يصرف لكل طبيب سيارة، وإذا تسائل الناس عن السبب قولوا لهم:
هذه السيارة ليست لأجل الطبيب، وإنما لأجل الشعب الحبيب، حتى يتمكن الطبيب من الإسراع في الوصول إلى المريض ويعالجه بأقصى سرعة، لكنهم فوجئوا بسؤال آخر لم يحسبوا له حساباً، فعندما سئلوا:
لماذا يركب الرئيس سيارة فخمة من صنع رأسمالي؟ لم يجدوا جواباً.
5. يضاف إلى بيت كل مهندس غرفة إضافية فإن سأل الشعب المسكين عن ذلك: فقولوا لهم:
إن هذه الغرفة ليست للمهندس، وإنما للشعب كله حتى يتمكن المهندس من التفكير والتفكير بعمق أثناء الليل لمصلحة الأمة.
6. تصرف الأوسمة والنياشين ذات الرتب المتفاوتة، لأحسن عامل، وأحذق طبيب، وأنشط فلاح، وأذكى مخترع، وحتى نحفزهم على العمل.
وبذلك تراجعت الشيوعية عن نصف الطريق الذي سلكته، وعن كل الطريق الذي كانت تفكر فيه وهو: الشيوعية العالمية.
تجارب مريرة:
أولاً: جيفارا:
قام الشاب المتحمس”جيفارا” في كوبا، بنشر مبادئ الشيوعية، واستطاع أن يجلب كثيراً من الشباب إليه، حتى أصبح خطره عظيماً، فقامت الحكومة الكوبية الرأسمالية، بإطلاق الشائعات بين الناس بأن جيفارا وجماعته، يقتلون الفلاحين ويأكلونهم، أو…
فصار الفلاح يتلفت حوله، وإذا رأى أحد الشيوعيين مقبلاً عليه من بعيد، ترك كل شيء وهرب إلى بلده مخبراً عنه، مما اضطر جيفارا أن يغير أسلوبه، فصار يأتي بأتباعه ويطوقون الفلاحين، ويقبضون عليهم، فرادى أو مجتمعين، ويقولون لهم:
نحن لا نأكل أحداً، وإنما نريد أن نحميكم من الإقطاعيين، الذين يأكلون تعبكم وجهدكم وعرق جبينكم، وإذا قامت الشيوعية في كوبا، فإن كل ما تنتجه هذه الأرض سيكون لكم، وملككم وحدكم، ولا يذهب معظمه لهؤلاء المجرمين.
ويرجع الفلاح إلى بلده يتلمس نفسه، إنه لا يزال على قيد الحياة، ولم يأكله الشيوعيون، فيخبر زوجته وأولاده، وينتشر الخبر بين الناس، فيعرفون أن الحكومة كانت تكذب عليهم، وما قالته لهم لا يعدو كونه إشاعات، والتفوا حول جيفارا، وقامت الثورة الشيوعية في كوبا بقيادة جيفارا، على بعد عدة أميال من الولايات المتحدة، وقام جيفارا بتسليم السلطة إلى” فيدل كاسترو” وتوجه إلى البلد المجاور” بوليفيا، ليحررها من الظلم والاستعباد.
آه… ولكـــــن:
آه لو كان شباب المسلمين يفهمون دينهم الحق، ويضحون من أجله بالمناصب، ويتنازلوا عن المكاسب المادية الدنيوية لأجل الآخرة التي لم يكن يؤمن بها جيفارا، ولكنه تنازل عن منصبه لغيره، ليتفرغ للمناضلة من أجل تحقيق حلمه في الشيوعية العالمية، وحاول تصدير الثورة إلى بوليفيا، إلا أنه لم ينجح في ذلك، وقُتل هناك، وحاول كاسترو إعادة جثة صديقه بكل الطرق، فعرض الأموال والأسرى، ولكن دون جدوى.
لـــــكن… واه:
فما لبثت خطيئة الشيوعية(منع الملكية الفردية ) بالظهور، وقتل حافز الإنتاج، وحاول الاتحاد السوفييتي أن يمد كوبا بكل ما تستطيع، كي تقف على رجليها في مواجهة أمريكا الرأسمالية، ولكن دون جدوى،
وبعد فترة من الزمن صار الناس يهربون من النظام الشيوعي، وفي التسعينات فرّ ما يزيد عن ثلاثين ألف عامل كوبي -ممن قامت الشيوعية بزعمها لإنقاذهم من براثن الرأسمالية والإقطاع- والتجئوا إلى ثلاث سفارات أجنبية؛ لأن الذين هربوا من ظلم الإقطاع لم يعرفوا أن الشيوعية أقسى وأظلم وأعتى، فكانوا كمن هرب من المطر ليقف تحت المزراب، و كما قال الشاعر:
والمستجير بأم عمر عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار.
وفي ظل هذا الوضع المحرج احتار الشيوعيون في كوبا ماذا يفعلون، فإن هم قتلوا هؤلاء اللاجئين، أظهروا ظلم الشيوعية للشعب الذي يدَّعون أنهم جاءوا لإنقاذه.
وإن هم أعادوهم إلى المجتمع الكوبي، فإنهم سيصبحون أكثر خطراً على الشيوعية، إذ كيف يهرب ثلاثون ألفاً مع المخابرات المندسة بينهم في يوم واحد بتخطيط لم تكتشفه الدولة !؟
وإن سمحوا لهم بالخروج من كوبا، فقد ذلوا أمامهم أيما إذلال، وفتحوا المجال لغيرهم بأن يفعلوا مثلهم.
واختار كاسترو الحل الثالث، لكن بتدبير وفذلكة، لم يكن لكبار الإقطاعيين أن يقوموا بمثلها، فقد قال:
دعوهم يخرجوا، فإن الشيوعية ليست بحاجة لهؤلاء العاقين لها، وهي غنية عنهم.
لكن السؤال الذي لم يستطع أن يجيب عليه فيدل كاسترو هو: لماذا أصبح المضحّون للشيوعية هاربين منها؟
والسؤال الثاني الأمرّ من الأول وهو:
إن هؤلاء الفلاحين ما تركوا أوطانهم رغم ظلم الإقطاعيين، وقسوة الرأسمالية، فلماذا يهربون من سعادة الشيوعية المزعومة-إن كان فيها سعادة كما يدعي أتباعها-؟.
وماذا لو علم جيفارا بأن الذي ضحى بنفسه من أجله،ليس هو منقذ العالم من الظلم، و الظلمات ؟.
ثانياً: ســور برلـين:
عندما هدم سور برلين، قام شعب ألمانيا الشرقية بالمشي على الأقدام حتى يعبروا ألمانيا الغربية، لماذا؟
هل لأن جزءً من ألمانيا أغلى من الجزء الآخر؟
والجواب: لا، ولكنه حب الخلاص من ظلم الشيوعية، وعندما سئلوا لماذا لم تنتظروا حتى تأتي الباصات ووسائط النقل لتنقلكم إلى ألمانيا الغربية، كان جواب بعضهم: نخاف أن يحدث انقلاب في روسيا على” غورباتشوف” فيفرض علينا وعلى أولادنا السجن الجهنمي إلى الأبد.
(نكتة):
أعلن أحد الأثرياء عن فقدان كلبه، وخصص جائزة نقدية مقدارها عشرة آلاف دينار لمن يجده، وفي اليوم التالي لم تصدر الجريدة المتضمنة الخبر في موعدها، فذهب صاحب الكلب إلى الجريدة ليستفسر عن سبب عدم صدور الجريدة في الموعد المحدد، فلم يجد في مبنى الجريدة سوى المراسل، فسأله عن الموظفين فقال: المدير والموظفون جميعهم ذهبوا يبحثون عن الكلب.
أقــول: ما أظن أن سائق الجرافة الذي كلف بهدم سور برلين إلا أنه قد بدأ بالهدم من الجهة الغربية خوفاً من المفاجآت في الجهة الشرقية، وما أن أتم عمله حتى ترك الجرافة مكانها وهرب إلى ألمانيا الغربية تاركاً أولاده وزوجته وأقاربه، وكل ما يملك-إن كان يملك شيئاً- في الجهة الشرقية.
ثالثاً: التخلي عن السُلْطة:
عندما استلم غورباتشوف السُلطة في روسيا تخلى عنها بعد فترة، فما هو السبب يا ترى؟
هل لأن الرؤوس النووية التي تملكها روسيا، وعددها(27) ألف رأس نووي، لا تكفي لحمايته وحماية بلاده؟
أم لأن الشعب كان لا يحبه؟ وهل كان أحد ممن قبله محبوباً؟
أم أن الطعام الذي كان يقدم له لا يكفيه، وأنواعه لا تعجبه؟
أم أنه ضحى بعزة روسيا وكبريائها لأنه كان يشتهي أن يلبس “الجينز الأمريكي” ؟ أم كان عميلاً لأمريكا كما يقولون؟
وهل العميل يضحي بمنصب كهذا؟ وهل عميل كهذا لا يتمرد؟
الجواب عن كل هذه التساؤلات ببساطة: إن “غورباتشوف” كان يعتقد بأن “الكرملن” سيسقط على رأسه لو استمر، فما كان منه إلا نجا بروحه قبل أن يحصل ذلك.
والسقوط الذي نقصده هنا هو السقوط المعنوي، لا الحسي، فكما تعلمون اهتز العالم للمرة الثانية بسقوط الشيوعية على يدي غورباتشوف، ووقع تمثال صنمهم على الأرض إعلاناً بزوال الشيوعية وأصنامها.
لكن هذا الزلزال على شدته كان أخف بكثير من الاهتزاز الذي حصل عند قيام الشيوعية على أنقاض الرأسمالية.
عوداً على بدء:
لنعد إلى مقدمة الموضوع ونتذكر صاحب المتجر المسلم الذي لم يفهم معنى الزكاة، فهل الزكاة تعطى للمستجدي؟ وهل يصاحب دفع الزكاة التكبر والتعالي على آخذ الزكاة؟ أم أن الزكاة في الحقيقة لا هذا ولا ذاك.
فما هو النظام الإسلامي الفريد للزكاة، وكيف تدفع؟ ولمن؟
هذا ما سنتعرض له في هذا الفصل إن شاء الله تعالى.