أمريكا تدرس نظام الزكاة.
عندما كنت في السنة الرابعة في كلية الشريعة بجامعة دمشق، كان عميد كلية الاقتصاد يدرسنا مادة اللغة الإنجليزية، وكانت القطع المختارة لها علاقة بدراسة الشريعة، إذ كانت من كتاب لكاتب باكستاني يتحدث عن نظام الإسلام، وكان المدرس مخلصاً، ومتواضعاً، ويركز على أن نستفيد من مضمون الدرس، ولا نكتفي بترجمة الكلمات والمصطلحات فقط، وذات يوم كان عنوان القطعة: النظام الاقتصادي في الإسلام، وبعد أن شرح لنا الموضوع شرحاً وافياً، سألنا:
هل فهمتم المعنى الذي يقصده الكاتب؟.
فأجاب الجميع بنعم، فأعاد علينا السؤال مرة أخرى، فأجبنا:
نعم بكل تأكيد، فبدأ يسألنا واحداً بعد الآخر عن معنى القطعة، لا كترجمة، وإنما المعنى الذي يقصده الكاتب، فلم يتمكن أحد من الجواب، فقال الأستاذ: آه يا طلاب الشريعة، لو تعلمون أن أمريكا تدرس إمكانية تحويل اقتصادها من نظام الضرائب إلى نظام الزكاة، فتعجبنا لذلك أيما تعجب…أمريكا؟ زكاة؟ فقال:
هل تعلمون الفرق بين نظام الضرائب ونظام الزكاة؟ كلاهما يجمع الأموال ثم يوزعها فما هو الفرق بينهما؟
زاد شوقنا لسماع الفرق بينهما، لأننا لم نكن نعلم عن ذلك شيئاً، فقال: إن الدوائر والوزارات في كل دولة تقوم بتقدير احتياجاتها، كل وزارة أو دائرة على حده، ثم تجمع هذه الاحتياجات إلى بعضها البعض، والناتج يكون مقدار ميزانية الدولة لذلك العام، ونتيجة لذلك تقوم الدولة بفرض الضرائب حتى توفي بتلك الالتزامات.
فلو سُئلت عن حاجة هذه القاعة، سأقول:
ألف لتجديد المقاعد، وألف لتغيير الشبابيك والأبواب، ومثلها للدهان وتغيير البلاط، ومثلها لتغيير اللوح، ومكتب المدرس، والإضاءة وغيرها، أي بمعنى آخر سأطلب كل ما يجعل هذه القاعة مثالية، لأن الأمر لا يكلفني سوى تعبئة النموذج المخصص لذلك، وهكذا كل قاعات الجامعة، وستكون النتيجة عدة ملايين حاجة هذه الجامعة فقط، وبذلك ستزيد قيمة الضرائب على دافعيها، وهذا يؤدي إلى إبطاء عجلة الاقتصاد الوطني، وهذا ما تعاني منه أمريكا.
أما نظام الزكاة في الإسلام، فيختلف عن ذلك، إذ تقوم الدولة بجمع أموال الزكاة، وما يأتيها من موارد أخرى، ثم تقوم بتوزيع هذه الأموال على الدوائر والمؤسسات بنسبة وتناسب مع احتياجاتها، وأولوية هذه الاحتياجات، فلو طلبت أربعة آلاف كما في المثال السابق، فأتاني ألف فقط، عندها سأقوم بتصليح المقاعد بدل تغييرها، وسأقوم بدهان اللوح بدلاً من استبداله، وسأنظف البلاط، وأقوم بكل ما يلزم من تصليحات، وسيتبقى معي بعض النقود التي زادت عن حاجتي فأقوم بإرجاعها إلى الدولة، ثم أضاف قائلاً:
إذا كانت عندي بقرة تحلب(20) كيلو غرام حليب يومياً، فليس من الضروري أن أضغط عليها كي تنتج أكثر، لأن ذلك سينعكس على إنتاجها في اليوم التالي.
ولو أن عندي شجرة عنب كبيرة، فقمت بتقليمها، بحيث تحمل أكبر قدر ممكن من الثمر، فهذا سيكون على حساب تكاثر الأغصان والأوراق، وفي العام القادم سيضعف إنتاجها من الثمار، وكذلك الأغصان، وتهرم وتموت، ولذلك لا بد من الموازنة بين تكاثر الثمار وتجديد الأغصان.
وهكذا بدا لنا الفرق بين التشريع الرباني الذي يعلم ما يناسب هذه النفس البشرية، ويراعى احتياجاتها، وبين تشريع البشر القاصر، وازددنا بهذه المحاضرة إيماناً فوق إيماننا.وشكراً.
شكرا للأخ الكريم : وأذكر أن رسالة دكتوراه قدمت بخصوص الفرق بين كلمتي الضرائب والزكاة فكان من بعض الفوارق ما يلي:-
إن كلمة ضريبة مشتقة من الضرب وكلمة الضرب مؤذية للمشاعر مهما كان نوع الضرب سواء باليد أو بالرجل أو بالسوط أم بالعصا؛ بينما كلمة الزكاة مأخوذة من النماء والذكاة والتطهير والسمو.
ثم إن الضرائب متغيرة ما بين سياسة وأخرى وحكومة وما بعدها ونظام ونظام؛ بينما الزكاة مقدار محدد من قبل الباري عز وجل لا يتبدل ولا يتغير
كما أن مصارف الضرائب لا يدري دافعها أين تذهب وقد تذهب إلى من أعاديه كالتلفاز المفسد ؛ بينما الزكاة محددة المصارف والأهداف .